المعاني منذ بدايتها وقطع معنا ثلثي الطريق الذي رسمته آية البر من الوفاء بالعهود والصبر في البأساء والضراء وحين البأس فإنه لا ريب سوف يستشرف معنا إلى ثلثه الباقي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وبذل المال على حبه في سبيل الله وسوف يرى أن هذه الحلقة الثالثة قد جاءت هنا في رتبتها وفي موضعها المقدر لها وفق ترتيبها في الآية الجامعة سيقول قائل نعم لقد جاءت في موضعها ورتبتها ولكن الانتقال إليها قد تم دون إعداد نفسي ولا تمهيد بياني نقول بل كان هذا الإعداد والتمهيد في الآية الكريمة التي ختمت بها الحلقة السابقة وأن تعفو أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير فهذه لو تدبرت معبرة ذهبية وضعت في وقت الحاجة إليها بعد أن استطال الحديث في تفصيل الحقوق والواجبات المنزلية معبرة جيء بها لتنقلنا من ضوضاء المحاسبة والمخاصمة إلى سكون المسامحة والمكارمة فكانت معراجا وسطا صعد بنا إلى أفق أعلى تمهيدا للعروج بنا فيما يلي إلى الأفق الأعلى ألا تسمع إلأى هذه الكلمات ولا تنسوا الفضل بينكم لا تنسوا الفضل بينكم إن كل حرف في هذه الكلمات ينادي بأنها كلمات حبيب مودع كان قد أقام بيننا فترة ما ليفصل في شؤوننا ثم أخذ الآن يطوي صحيفة أحكامه ليتحول بنا عنها إلى ما هو أهم منها فقال لنا وهو يطويها دعوا المشادة في هذه الشؤون الجزئية الصغرى سووها فيما بينكم بقانون البر والفضل الذي هو أسمى من قانون الحق والعدل وحولوا أبصاركم معي إلى الشؤون الكلية الكبرى التي هي أحق بأن يتوفر عليها العزم والقصد وأحرى أن يشتغل بها العقل والقلب نعم نعم لقد كفاكم هذا حديثا عن حقوق الزوج والولد فاستمعوا الآن إلى الحديث عن حقوق الله والوطن حافظوا على الصلاة أنفقوا في سبيل الله جاهدوا في سبيل الله