فتحتاج إلى بينة، وإنما هي من نوع (( الإقرار )) الذي يؤخذ به صاحبه، ولا يتوقف صديق ولا عدو في قبوله منه، إن أي مصلحة للعاقل الذي يدعي لنفسه حق الزعامة ويتحدى الناس بالأعاجيب والمعجزات لتأييد تلك الزعامة، نقول أي مصلحة له في إن ينسب بضاعته لغيره، وينسلخ منها انسلاخا ؟ على حين انه كان يستطيع أن ينتحلها فيزداد بها رفعة وفخامة شان، ولو انتحلها لما وجد من البشر أحدا يعارضه ويزعمها لنفسه.
الذي نعرفه أن كثيرا من الأدباء يسطون على آثار غيرهم فيسرقونها او يسرقون منها ما خف حمله وغلت قيمته وأمنت تهمته، حتى أن منهم من ينبش قبور الموتى ويلبس من اكفانهم ويخرج على قومه في زينة من تلك الأثواب المستعارة. أما أن احدا ينسب لغيره أنفس آثار عقله وأغلى ما تجود به قريحته فهذا ما لم يلده الدهر بعد.
ولو أننا افترضناه افتراضا لما عرفنا له تعليلا معقولا ولا شبه معقولا اللهم الا شيئا واحدا قد يحيك في صدر الجاهل، وهو أن يكون هذا الزعيم قد رأى أن في (( نسبة القرآن الى الوحي الإلهي )) ما يعينه على استصلاح الناس باستيجاب طاعته عليهم ونفاذ أمره فيهم، لان تلك تجعل لقوله من الحرمة والتعظيم ما لا يكون له لو نسبه إلى نفسه.
وهذا قياس فاسد في ذاته، فاسد في أساسه.
أما انه فاسد في ذاته فلأن صاحب هذا القرآن قد صدر عنه الكلام المنسوب الى نفسه والكلام المنسوب إلى الله تعالى فلم تكن نسبته ما نسبه الى نفسه بناقصة من لزوم طاعته شيئا، ولا نسبة إلى ربه بزائدة فيها شيئا، بل استوجب على الناس طاعته فيهما على السواء فكانت حرمتها في النفوس على سواء، وكانت طاعته من طاعة الله، ومعصيته من معصية الله فهلا جعل كل أقواله من كلام الله تعالى لو كان الأمر كما يهجس به ذلك الوهم.