وأما فساد هذا القياس من أساسه فلأنه مبني على افتراض باطل، وهو تجويز أن يكون هذا الزعيم من أولئك الذين لا يأبون في الوصول إلى غاية إصلاحية أن يعبروا إليها على قنطرة من الكذب والتمويه وذلك أمر يأباه علينا الواقع التاريخي كل الإباء فان من تتبع سيرته الشريفة في حركاته وسكناته، وعباراته وإشاراته، في رضاه وغضبه، في خلوته وجلوته لا يشك في انه كان ابعد الناس عن المداجاة والمواربة، وان سره وعلانيته كانا سواء في دقة الصدق وصرامة الحق في جليل الشؤون وحقيرها، وان ذلك كان اخص شمائله واظهر صفاته قبل النبوة وبعدها كما شهد ويشهد به أصدقائه وأعدائه إلى يومنا هذا ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ) سورة يونس.
وكأني بك ها هنا تحب أن أقدم لك من سيرته المطهرة مثلا واضحة الدلالة على مبلغ صدقه وأمانته في دعوى الوحي الذي نحن بصدده، وانه لم يكن ليأتي بشيء من القرآن من تلقاء نفسه، فإليك طرفا من ذلك :
لقد كانت تنزل به نوازل من شأنها أن تحفزه إلى القول، وكانت حاجته القصوى تلح عليه أن يتكلم بحيث لو كان الأمر إليه لوجد له