حتى الأرقام طبق الأرقام : فترى مثلا في قصة نوح عليه السلام في القرآن انه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وفي سفر التكوين من التوراة انه عاش تسعمائة وخمسين سنة وترى في قصة أصحاب الكهف عند أهل الكتاب أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة شمسية وفي القرآن انهم لبثوا في كهفهم ( ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ) وهذه السنون التسع هي فرق مابين عدد السنين الشمسية والقمرية. قاله الزجاج يعني بتكميل الكسر. فانظر الى هذا الحساب الدقيق في أمة أمية لا تكتب ولا تحسب.
كفاك بالعلم في الأمي معجزة في الجاهلية التأديب في اليتيم
نعم انها لعجيبة حقا : رجل أمي بين أَظهر قوم أميين. يحضر مشهدين- في غير الباطل والفجور- ويعيش معيشتهم مشغولا برزق نفسه وزوجته وأولاده. رعيا بالأجر. او تاجرا بالأجر. لا صلة له بالعلم والعلماء. يقضي في هذا المستوى أكثر من أربعين سنة من عمره. ثم يطلع علينا فيما بين عشية وضحاها فيكلمنا بما لا عهد له به سالف حياته ؤ بما لم يتحدث الي احد بحرف واحد منه قبل ذلك ويبدي لنا من أخبار تلك القرون الأولى ما أخفاه أهل العلم في دفاترهم. أفي مثل هذا يقول الجاهلون انه استوحى عقله واستلهم ضميره ؟ أي منطق يسوغ ان يكون هذا الطور الجديد العلمي نتيجة طبيعية لتلك الحياة الماضية الأمية ؟ أنه لا مناص في قضية العقل من ان يكون لهذا الانتقال الطفري سر اخر يلتمس خارجا عن دائرة المعلومات القديمة. وان ملاحدة الجاهلية وهم أجلاف الأعراب في البداية كانوا في الجملة اصدق تعليلا لهذا الظاهر و اقرب فهما لهذا السر من ملاحدة هذا العصر، اذ لم يقولوا كما قال هؤلاء انه استقى هذه الأخبار من وحي نفسه. بل قالوا انه لابد ان تكون قد امليت عليه منذ يومئذ علوم جديد. فدرس منها ما لم يكن قد درس. وتعلم ما لم يكن يعلم ( وكذالك نصرف الآيات


الصفحة التالية
Icon