ذلك ما سيأتيك نبؤه بعد حين. ولكننا نعجل لك لان بمثالين من تلك المعاني نكتفي بذكرهما هنا عن إعادتهما بعد ( احدهما ) قسم العقائد الدينية ( والثاني ) قسم النبؤات الغيبية.
فأما أمر الدين فان غاية ما يجتنيه العقل من ثمرات بحثه المستقل فيه، بعد معاونة الفطرة السليمة له، هو ان يعلم ان فوق هذا العالم إلها قاهرا دبره وانه لم يخلقه باطلا بل وضعه على مقتضى الحكمة والعدالة. فلابد أن يعيده كرة اخرى لينال كل عامل جزاء عمله ان خيرا وان شرا.
هذا هو كل ما يناله العقل الكامل من امر الدين. ولكن القرآن لا يقف في جانبه عند هذه المرحلة، بل نراه يشرح لنا حدود الإيمان مفصلة، ويصف لنا بدء الخلق ونهايته، ويصف الجنة وانواع نعيمها، والنار والوان عذابها، كأنهما رأى عين، حتى انه ليحصي عدة الملائكة الموكلة بتلك الأبواب. فعلى أي نظرية عقلية بنيت هذه المعلومات الحساسية، و تلك الأوصاف التحديدية ؟ إن ذلك ما لا يوحي به العقل ألبتة بل هو إما باطل من وحي الخيال والتخمين، واما حق، فلا ينال الا بالتعليم والتلقين. لكنه الحق الذي شهدت به الكتب واستيقنه اهلها ( وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ايمانا ) سورة المدثر ( وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ) سورة الشورى ( ما كان لي من علم بالملإ الاعلى اذا يختصمون ) سورة ص ( وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) سورة يونس.