رجاء بظهور دعوته في حياته ما دام يتعهدها بنفسه، فمن يتكفل له بعد موته ببقاء هذه الدعوة وحمايتها وسط أمواج المستقبل العاتية ؟ وكيف يجيئه اليقين في ذلك وهو يعلم من عبر الزمان ما يفت في عضد هذا اليقين ؟ فكم من مصلح صرخ بصيحات الإصلاح فما لبث أصواته أن ذهبت ادراج الرياح. وكم من مدينة قامت في التاريخ ثم عفت ودرست آثارها. وكم من نبي قتل. وكم من كتاب فقد أو إنتقص أو بدل.
وهل كان محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ممن تستخفه الآمال فيجرى مع الخيال ؟ إنه ما كان قبل نبوته يطمع في نبيا يوحي إليه ( وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلآ رحمة من ربك ) سورة القصص، ولا كان بعد نبوته يضمن لنفسه أن يبقى هذا الوحي محفوظا لديه ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا ) سورة الإسراء.
فلابد اذا من كفيل بهذا الحفظ من خارج نفسه. ومن ذا الذي يملك هذا الضمان على الدهر المتقلب المملوء بالمفاجآت ؟ الا رب الدهر الذي بيده زمام الحوادث كلها، والذي قدر مبدأها ومنتهاها، واحاط علما بمجراها ومرساها. فلولا فضل الله ورحمته الموعود بهما في الآية الآنفة لما استطاع القرآن ان يقاوم تلك الحروب العنيفة التي اقيمت ولا تزال تقام عليه بين آن وآن.
سل التاريخ : كم مرة تنكر الدهر لدول الاسلام وتسلط الفجار على المسلمين فاثخنوا فيهم القتل، واكرهوا امما على الكفر، واحرقوا الكتب، وهدموا المساجد، وصنعوا ما كان يكفي القليل منه لضياع هذا


الصفحة التالية
Icon