مفتوح على مصراعه، وأن المتأخر متى أعمل الروية في تعقب قول القائل المتقدم لا يعييه أن يجد فيه فائتا ليستدرك، أو ناقصاً ليكمل، أو كاملاً ليزداد كمالاً ؟ ألم يكن يخشى بهذا التحدي أن يثير حميتهم الأدبية فيهبوا لمنافسته وهم جميع حذرون ؟ وماذا عساه يصنع لو أن جماعة من بلغائهم تعاقدوا على أن يضع احدهم صيغة المعارضة، ثم يتناولها سائرهم بالإصلاح والتهذيب كما كانوا يصنعون في نقد الشعر، فيكمل ثانيهم ما نقصه أولهم، وهكذا، حتى يخرجوا كلاماً ان لم يبزه فلا أقل من أن يساميه ولو في بعض نواحيه ؟ ثم لو طوعت له نفسه أن يصدر هذا الحكم على أهل عصره فكيف يصدره على الاجيال القادمة الى يوم القيامة، بل على الانس والجن ؟ ان هذه مغامرة لا يتقدم اليها الا رجل يعرف قدر نفسه الا وهو ماليء يديه من تصاريف القضاء، وخبر السماء. وهكذا رماها بين اظهر العالم، فكانت هي القضاء المبرم سلط على العقول والافواه، فلم يهم بمعارضته إلا باء بالعجز الواضح، والفشل الفاضح، على مر العصور والدهور.
( ومثال ثالث ) تلك الآية التي يضمن الله بها لنبيه حماية شخصه والأمن على حياته حتى بلغ رسالات ربه ( يأيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين )
ان هذا وايم الله ضمان لا يملكه بشر، ولو كان ملكا محجبا تسير به الحفظة من بين يديه ومن خلفه. فكم راينا وراى الناس من الملوك والعظماء من اختطفتهم يد الغيلة وهم في مواكبهم تحيط بهم الجنود والأعوان. ولكن انظر مبلغ ثقة الرسول بهذا الوعد الحق : روى الترمذي والحاكم عن عائشة، وروى الطبراني عن ابي سعيد الخدري قال : كان النبي يحرس