وهو سلاح قد يطمئن به المسلمون إلى أنهم لن ينالوهم بأيدهم ورماحهم، ولكنهم لا يأمنون معه أن ينالوهم بسهامهم ونبالهم. في هذه الظروف المريبة يجيئهم الوعد الجازم بالأمور الثلاثة مجتمعة الدخول، والأمن، وقضاء الشعيرة ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله امنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون ) سورة الفتح، فدخلوها في عمرة القضاء آمنين، ولبثوا فيها ثلاثة أيام حتى أتموا عمرتهم وقضوا مناسكهم.. الحديث أخرجه الشيخان.
( ومثالا ثالثا ) كان المشركون يجادلون المسلمون في مكة قبل الهجرة، يقولون لهم إن الروم يشهدون أنهم أهل كتاب، وقد غلبتهم المجوس. وانتم تزعمون أنكم ستغلبوننا بالكتاب الذي انزل عليكم، فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم فنزلت الآية ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) أول سورة الروم
لقد كان الإخبار بهذا النصر وبأنه كائن في وقت معين إخبارا بأمرين كل منهما خارج عن متناول الظنون. ذلك أن دولة الروم كانت قد بلغت من الضعف حدا يكفي من دلائله أنها غزيت في عقر دارها وهزمت في بلادها كما قال تعالى ( في أدنى الأرض ) فلم يكن أحد يظن أنها تقوم لها بعد ذلك قائمة، فضلا عن أن يحدد الوقت الذي سيكون لها فيه النصر. ولذلك كذّب به المشركين وتراهنوا على تكذيبه على أنّ القرآن لم يكتف بهذين الوعدين، بل عززهما بثالث، حيث يقول ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) إشارة إلى أنّ اليوم الذي يكون فيه النصر هناك للروم على الفرس سيقع فيه هاهنا نصر للمسلمين على المشركين. وإذا كان كل واحد من النصرين في حد ذاته مستبعدا عند الناس أشد الإستبعاد فكيف الظن بوقوعهما مقترنين


الصفحة التالية
Icon