الحديث العجب الذي جمع في تلك اللحظة القصيرة علوم القرآن والتفاصيل أخباره فيما بين بداية العالم و نهايته ولماذا لم يتخذ خصومه من هذه الحجة الواضحة سلاحا قاطعا لحجته مع شدة سعيهم في هدم دعواه والتجأ هم لأوهن الشبهات في تكذيبه، وقد كان هذا السلاح أقرب إليهم، وكان وحده أمضى في إبطال أمره من كل ما لجئوا إليه من مهاترة ومكابرة.
إن سكوت التاريخ عن ذلك كله حجة كافية على عدم وجوده لأنه ليس من الهنات الهيّنات التّي يتغاضى عنها الناس الواقفون لهذا الأمر بالمرصاد.
على أن التاريخ لم يسكت، بل نبأنا بما كان من أمر الرجلين : فقد حدثنا راهب الشام أنه لما رأى الغلام رأى فيه من سيما النبوة الأخيرة وحليتها في الكتب الماضية ما أنطقه بتبشير عمه قائلا : إن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم. وحدثنا عن ورقة أنه لما سمع ما قصه عليه النبي من صفة الوحي وجد فيها من خصائص الناموس الذي نزل على موسى ما جعله يتعرف بنبوته ويتمنى أن يعيش حّتى يكون من أنصاره.
فمن عرف للتاريخ حرمته وآمن بوقائعه كما هي كانت. هذه الوقائع حجة لنا عليه. ومن لم يستحي أن يزيد في التاريخ حرفا من عنده فيقول إن محمدا ضم السماع إلى اللقاء فليتقول ما يشاء، وليعلم أنه سوف يخرج لنا بهذه الزيادة تاريخا متناقصا يكذب أوله آخره، وآخره أوله، إذا كيف يعقل رجلا رأى علامات النبوة في فبشره به قبل وقوعها، أو آمن بها بعد وقوعها، تطاوعه نفسه أيقف من صاحب هذه النبوة موقف المرشد فأين يذهبون.
على أننا نعود فنسأل : هل كان في العلماء يومئذ من يصلح ان تكون له على محمد وقرآنه تلك اليد العليا ؟
يقول الملحدون أنفسهم :(( إن القرآن هو الأثر التاريخي الوحيد الذي