موقفا كهذا ينصر فيه عادته بإهدار عقله بل الحق أن هناك مانعا آخر يعوقهم عن متابعة السير معنا ولكنهم يكتمونه عنا كبر في صدورهم أن يعطوا مقادتهم لإنسان جاءهم من فوق رءوسهم يزعم أنه رسول الله إليهم فيأمرهم وينهاهم ويستوجب الطاعة عليهم ثم هو على ذلك يواجههم بالحقائق المرة فيحول بينهم وبين ماض هم به مستمسكون وهوى هم له عابدون بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون سورة المؤمنون فلنذرهم قاعدين حيث رضوا لأنفسهم القعود ولنتابع البحث عن هذا الحق راغبين إلى الله في الهدى إليه وإنا إن شاء الله لمهتدون لا تحسبن أننا في هذه المرحلة الثالثة سنضرب في بيداء تيهاء أو أننا سيترامى بنا السير إلى شقة بعيدة وسفر غير قاصد كلا فلن نخرج ببحثنا عن دائرة محدودة نراها مظنة للسر الذي نطلبه وذلك بدراسة الأحوال المباشرة التي كان يظهر فيها القرآن على لسان محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وكلنا نعرف تلك الظاهرة العجيبة التي كانت تبدو على وجهه الكريم في كل مرة حين ينزل عليه القرآن وكان أمرها لا يخفى على أحد ممن ينظر إليه فكانوا يرونه قد احمر وجهه فجأة وأخذته البرحاء حتى يتفصد جبينه عرقا وثقل جسمه حتى يكاد يرض فخذه فخذ الجالس إلى جانبه وحتى لو كان راكبا لبركت به راحلته وكانوا مع ذلك يسمعون عند وجهه أصواتا مختلطة تشبه دوي النحل ثم لا يلبث أن تسري عنه تلك الشدة