فإذا هو يتلو قرآنا جديدا وذكرا محدثا فمن شاء أن يبحث عن مصدر هذا القرآن فهاهنا أقرب مظانة ففيها فليحصر الباحثون بحوثهم ولينشد طلاب الحق ضالتهم وأين تلتمس الأسباب الصحيحة لأثر ما إن تلتمس حيث يظهر ذلك الأثر وحيث يدور وجوده وعدمه فلننظر الآن في هذه الظاهرة هل كانت شيئا متكلفا مصنوعا وطريقة تحضيرية يستجمع بها الفكر والروية أم كانت أمرا لا دخل فيه للاختيار وإذا كانت أمرا غير اختياري فهل كان لها في داخل النفس منشأ من الأسباب الطبيعية العادية كباعثة النوم أو من الأسباب الطبيعية الشاذة كاختلال القوى العصبية أم كانت انفعالا بسبب خارجي منفصل عن قوى النفس وإن نظرة واحدة نلقيها على عناصر هذه الظاهرة لتهدينا إلى أنها لا يمكن أن تكون صناعة وتكلفا وبخاصة لو تأملت تلك الأصوات المختلطة التي كانت تسمع عند الوجه النبوي الشريف وأيضا لو كانت صناعة وتكلفا لكانت طوع يمينه فكان لا يشاء يوما أن يأتي بقرآن جديد إلا جاء به من هذا الطريق الذي اعتاده في تحضيره وقد علمت أنه كثيرا ما التمسه في أشد أوقات الحاجة إليه وكان لا يظفر به إلا حين يشاء الله فهي إذا حال غير اختيارية ثم إننا نرجع البصر كرة أخرى فنرى البعد شاسعا بينها وبين عارض السبات الطبيعي الذي يعتري المرء في وقت حاجته إلى النوم فإنها كانت تعروه قائما أو قاعدا وسائرا أو راكبا وبكرة أو عشيا وفي أثناء حديثه مع أصحابه أو أعدائه وكانت تعروه فجأة وتزول عنه فجأة وتنقضي في لحظات يسيرة لا بالتدريج الذي يعرض للوسنان وكانت تصاحبها تلك