الأصوات الغريبة التي لا تسمع منه ولا من غيره عند النوم وبالإجمال كانت حالا تباين حال النائم في أوضاعها وأوقاتها وأشكالها وجملة مظاهرها في إذا عارض غير عادي ثم نرى المباينة التامة والمناقضة الكلية بينها وبين تلك الأعراض المرضية والنوبات العصبية التي تصفر فيها الوجوه وتبرد الأطراف وتصطك الأسنان وتتكشف العورات ويحتجب نور العقل ويخيم ظلام الجهل لأنها كانت كما علمت مبعث نمو في قوة البدن وإشراق في اللون وارتفاع في درجة الحرارة وكانت إلى جانب ذلك مبعث نور لا ظلمة ومصدر علم لا جهالة بل كان يجيء معها العلم والنور ما تخضع العقول لحكمته وتتضاءل الأنوار عند طلعته ها نحن أولاء قد كدنا نصل فلتقف بنا وقفة يسيرة لنرى مبعث هذا الضوء الذي كان يبدو حينا ويختفي أحيانا من حيث لا يد لصاحبه في ظهوره ولا في اختفائه هل عسى أن يكون منبعا من طبيعة هذه النفس المحمدية إذا والله لكان خليقا أن ينبعث منها أبدا ولكان أحق بأن ينبعث منها في حال اليقظة العادية والروية الفكرية أكثر مما ينبعث منها في تلك اللحظات اليسيرة حينما تغشيها هذه السحابة الرقيقة التي قد تشبه السنة أو الإغماء فلا بد إذا أن يكون وراء هذه السحابة مصدر نوراني يمد هذه النفس المحمدية بين آن وآن فيسمو بها عن أفق شعرها المحدود ويزودها بما شاء الله من العلوم ثم يرسلها إلينا محملة بهذه الشحنة العلمية إلى أن يلاقيها مرة أخرى وكما آمن الناس بأن نور القمر ليس مستفادا من ذاته وإنما هو مستفاد من ضياء الشمس لأنهم رأو اختلاف نوره تابعا أبدا لاختلاف مواقعه منها قربا وبعدا فكذلك فليؤمنوا بأن نور هذا القمر النبوي إنما كان شعاعا منعكسا من ضوء تلك الشمس التي يرون آثارها وإن كانوا لا يرونها نعم إنهم لم يروها بأعينهم طالعة في رابعة النهار ولم