صالح من هذه الحياة النبوية وملابساتها وكان مع ذلك سليم الفطرة يتعرف الأشياء بمثالها ويهتدي إليها بأقرب أماراتها فمثل هذا سيرضى منا بهذا القدر ويهتدي به وأما الذين لا يعلمون عن تلك الحياة النبوية إلا قليلا وكثير ما هم والذين يريدون أن يأخذوا حجة القرآن لنفسه من نفسه فهؤلاء لا غنى لهم أن نتقدم بهم خطوة أخرى نبين لهم فيها أن هذا الكتاب الكريم يأبى بطبيعته أن يكون من صنع البشر وينادي بلسان حاله أنه رسالة القضاء والقدر حتى أنه لو وجد ملقى في صحراء لأيقن الناظر فيه أن ليس من هذه الأرض منبعه ومنبته وإنما كان من أفق السماء مطلعه ومهبطه ذلك أن قدرة الناس وإن تفاوتت فإلى حدود محدودة لا تتعداها وقدرة الخالق على الممكنات لا حد لها فكل كائن يجاوز حدود القدرة العالمية واقع في حدود القدرة الإلهية ألبتة ولا ثالث مثال ذلك أن الرجل قد يصرع الرجل وقد يصرع الرجلين وقد يصرع الآحاد والعشرات ولكن هل من الناس من يقف في وجه العالم كله فيقهر الأمم أفرادا وجماعات والله يأتي بالشمس من المشرق فمن ذا الذي يأتي بها منالمغرب وأنت تستطيع أن تطفئ المصباح وأن توقده حين تشاء ولكن هل يستطيع الناس جميعا أن يطلعوا الشمس قبل وقتها أو يؤخروها عن ساعتها أو يطفئوا نورها أو يأتوا بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا إنهم لا يستطيعون أن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستقذوه منه فأنى لهم أن يضاهئوا تلك الكائنات العلوية التي لا تنالها أيديهم ولا قذائفهم والتي لا يملكون من أمرها سوى النظر إليها وألإعجاب بها والاستفادة منها والخضوع لها فذلك العجز العام عن مضاهاة الخلق وعن محاكاة الصنعة هو آية كونها