أدركت هذه اللغة أشدها وتم لهم بقدر الطاقة البشرية تهذيب كلماتها وأساليبها ما هذه الجموع المحشودة في الصحراء وما هذه المنابر المرفوعة هنا وهناك إنها أسواق العرب تعرض فيها أنفس بضائعهم وأجود صناعاتهم وما هي إلا بضاعة الكلام وصناعة الشعر والخطابة يتبارون في عرضها ونقدها واختيار أحسنها والمفاخرة بها وتنافسون فيها أشد التنافس يستوي في ذلك رجالهم ونساؤهم وما أمر حسان والخنساء وغيرهما بخاف على متأدب فما هو إلا أن جاء القرآن وإذا الأسواق قد انقضت إلا منه وإذا الأندية قد صفرت إلا عنه فما قدر أحد منهم أن يباريه أو يجاريه أو يقتر فيه إبدال كلمة بكلمة أو حذف كلمة أو زيادة كلمة أو تقديم واحدة وتأخير أخرى ذلك على أنه لم يسد عليهم باب المعارضة بل فتحه على مصراعيه بل دعاهم إليه أفرادا أو جماعات بل تحداهم وكرر عليهم ذلك التحدي في صور شتى متهكما بهم متنزلا معهم إلى الأخف فالأخف فدعاهم أول مرة أن يجيئوا بمثله ثم دعاهم أن يأتوا بعشر سور مثله ثم أن يأتوا بسورة واحدة مثله ثم بسورة واحدة من مثله وأباح لهم في كل مرة أن يستعينوا بمن شاءوا ومن استطاعوا ثم رماهم والعالم كله بالعجز في غير مواربة فقال لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا سورة الإسراء وقال فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي