وقودها الناس والحجارة سورة البقرة فانظر أي إلهاب وأي استفزاز لقد أجهر عليهم بالحكم البات المؤبد في قوله ولن تفعلوا ثم هددهم بالنار ثم سواهم بالأحجار فلعمري لو كان فيهم لسان يتحرك لما صمتوا عن منافسته وهم الأعداء الألداء وأباة الضيم الأعزاء وقد أصاب منهم موضع عزتهم وفخارهم ولكنهم لم يجدوا ثغرة ينفذون منها إلى معارضته ولا سلما يصعدون به إلى مزاحمته بل وجدوا أنفسهم منه أمام طود شامخ فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا حتى إذا استيأسوا من قدرتهم واستيقنوا عجزهم ما كان جوابهم إلا أن ركبوا متن الحتوف واستنطقوا السيوف بدل الحروف وتلك هي الحيلة التي يلجأ إليها كل مغلوب في الحجة والبرهان وكل من لا يستطيع دفعا عن نفسه بالقلم واللسان ومضى عصر القرآن والتحدي قائم ليجرب كل امرئ نفسه وجاء العصر الذي بعده وفي البادية وأطرافها أقوام لم تختلط أنسابهم ولم تنحرف ألسنتهم ولم تتغير سليقتهم وفيهم من لو استطاعوا أن يأتوا هذا الدين من أساسه وثبتوا أنهم قادرون من أمر القرآن على ما عجز عنه أوائلهم لفعلوا ولكنهم ذلت أعناقهم له خاضعين وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل ثم مضت تلك القرون وورث هذه اللغة عن أهلها الوارثون غير أن هؤلاء الذين جاءوا من بعد كانوا أشد عجزا وأقل طمعا في هذا المطلب العزيز فكانت شهادتهم على أنفسهم مضافة إلى شهادة التاريخ على أسلافهم وكان برهان الإعجاز قائما أمامهم من طريقين وجداني وبرهاني ولا يزال هذا دأب الناس والقرآن حتى يرث الله الأرض ومن عليها فإن قال لنا نعم قد علمت أنه لم يأت أحد بشيء في معارضة