القرآن ولكن ليس كل ما لم يفعله الناس يكون خارجا عن حدود قدرتهم فربما ترك الإنسان فعلا هو من جنس أفعاله الاختيارية لعدم قيام الأسباب التي من شأنها أن تبعث عليه أو لأن صارفا إلهيا ثبط همته وصرف إرادته عنه مع توافر الأسباب الداعية إليه أو لأن عارضا فجائيا عطل آلاته وعاق قدرته عن إحداث ذلك الفعل بعد توجه إرادته نحوه فعلى الفرضين الأولين يكون عدم معارضة القرآن قلة أكتراث بشأنه لا عجزا عن الإتيان بمثله وعلى الفرض الأخير يكون تركه عجزا عنه حقا لكن ليس لمانع فيه من جهة علو طبقته عن مستوى القدرة البشرية بل لمانع خارجي هو حماية القدرة العليا له وصيانتها إياه عن معارضة المعارضين ولو أزيل هذا المانع لجاء الناس بمثله قلنا له هذه الفروض كلها لا تنطبق على موضوعنا بحال أما الأول فإن الأسباب الباعثة على المعارضة كانت موفورة متضافرة وأي شيء أقوى في استثارة حمية خصمك من ذلك التقريع البليغ المتكرر الذي توجهه إليه معلنا فيه عجزه عن مضاهاة عملك إن هذا التحديث كاف وحده في إثارة خفيظة الجبان وإشعال همته للدفاع عن نفسه بما تبلغه طاقته فكيف لو كان الذي تتحداه مجبولا على الأنفة والحمية وكيف لو كان العمل الذي تتحداه به هو صناعته التي بها يفاخر والتي هو فيها المدرب الماهر وكيف لو كنت مع ذلك ترميه بسفاهة الرأي وضلال الطريق وكيف لو كنت تبتغي من وراء هذه الحرب الجدلية هدم عقائده ومحو عوائده وقطع الصلة بين ماضيه ومستقبله