بكلام مثل الذي جاءهم به ألم يكن ذلك أقرب إليهم وأبقى عليهم لو كان أمره في يدهم ولكنهم طرقوا الأبواب كلها إلا هذا الباب وكان القتل والأسر والفقر والذل كل أولئك أهون عليهم من ركوب هذا الطريق الوعر الذي لهم عليهم فأي شيء يكون العجز إن لم يكن هذا هو العجز لا ريب أن هذه الحملات كلها لم تكن موجهة إلى شخص النبي وأصحابه فقد كانوا من قبل تعطفهم عليهم أرحامهم وتحببهم إليهم مكارم أخلاقهم كما أنها لم تكن موجهة إلى القرآن في الصدور ولا في داخل البيوت فقد قبلوا منهم أن يعبد امرؤ ربه في بيته كيف يشاء إنما كانت مصوبة إلى هدف واحد ومقاومة لخطر واحد هو إعلان هذا القرآن ونشره بين العرب ولا يهجسن في روعك أنهم ما نقموا من الإعلان بالقرآن إلا أنه دعوة جديدة إلى دين جديد فحسب كلا فقد كان في العرب حنفاء من فحول الخطباء والشعراء كقس بن ساعدة وأمية بن أبي الصلت وغيرهما وكانت خطبهم وأشعارهم مشحونة بالدعوة إلى ما دعا إليه القرآن من دين الفطرة فما بالهم قد أهمهم من أمر محمد وقرآنه ما لم يعنهم من أمر غيره ما ذاك إلا أنهم وجدوا له شأنا آخر لا يشبه شأن الناس وأنهم أحسوا في قرآنه قوة غلابة وتيارا جارفا يريد أن يبسط سلطانه حيث يصل صدى صوته وأنهم لم يجدوا سبيلا لمقاومته من طريق المعارضة الكلامية التي هي هجيراهم والتي هي الطريق المباشر الذي تحداهم به فلا جرم كان الطريق الوحيد عندهم لمقاومته هو الحيلولة بمختلف الوسائل بين هذا القرآن وبين الناس مهما كلفهم ذلك من تضحية وكذلك فعلوا وكذلك