أوضاع الكلام منقول وكأنه بينها على حد قول بعض الأدباء وضع مرتجل لا ترى سابقا جاء بمثاله ولا لاحقا طبع على غراره فلو أن آية منه جاءتك في جمهرة من أقوال البلغاء لدلت على مكانها واستمازت من بينها كما يستميز اللحن الحساس بين ضروب الألحان أو الفاكهة الجديدة بين ألوان الطعام سيقول السائل إذا انتهى معنا إلى هذا الموضع لقد أغلقتم عنا بهذا البيان بابا من الشك ولكنكم لم تلبثوا أن فتحتم علينا منه بابا جديدا ألم تقولوا لنا إن هذه الصناعة البيانية ليست في الناس بدرجة واحدة وإن القوى تذهب فيه متفاوتة على مراتب شتى فما نرى إذا علينا حرج أن نعد الإعجاز الذي حدثتمونا عنه أمرا مشاعا يجري في أساليب الناس كما يجري في القرآن ألا ترون أن كل قائل أو كاتب إنما يضع في بيانه قطعة من عقله ووجدانه على الصورة التي تهديه إليها فطرته ومواهبه وأن اختلاف الناس في هذه الوسائل يتبعه ألبتة اختلاف طرائقهم في التعبير عن أغراضهم إنكم لتستطيعون أن تحصوا في اللغة العربية صورا كلامية بعدة الناطقين بها بحيث لا تجدون كاتبا يكتب كما يكتب كاتب آخر على السواء ولا قائلا كذلك بل أنتم لا محالة واجدون عند كل واحد منهاجا خاصا في الأداء فليس البدوي كالحضري ولا الذكي كالغبي وليس الطائش كالحليم ولا المريض كالسليم وليس الأدنى في هذا الباب يستطيع الصعود إلى الأعلى ولا الأعلى يستطيع النزول إلى الأدنى بل المتشابهان فطرة ومزاجا المتساويان تربية وتعليما قد يشربان من كأس واحدة ثم لا يتناطقان بالكلام على صورة واحدة فكيف تأمرون الناس أن يجيئوكم بمثل القرآن وهم لا يقدرون أن....... بعضهم بمثل كلام بعض وكيف تعدون عجزهم عنه آية على قدسيته وأنتم لا تعدون عجز كل امرئ عن الإتيان بأسلوب غيره آية على أن ذلك الأسلوب صنع إلهي محض لا كسب فيه للذي جرى على لسانه أليس هذا القياس يسوغ لنا أن نفترض القرآن كلاما بشريا كسائر كلام البشر غير


الصفحة التالية
Icon