أنه اختص أسلوبه بصاحبه كما اختص كل امرئ بأسلوب نفسه وجوابنا لهذا القائل أن نقول له لسنا نماريك في أن كلام المتكلم إنما هو صورة تمليها عليه فطرته ومواهبه ولا في أن هذه الفطر والمواهب لتفاوتها عند أكثر الناس لا بد أن تترك أثرها من التفاوت في صور كلامهم ولا في أن تلك الفطر والمواهب إن تشابهت عند فريق من الناس فأملت عليهم صورا متشابهة من القول فإنها لا تخرجها في عامة الأمر صورة واحدة كل هذا نسلمه ولا ننكره ولكنه لا يضرنا ولا يوهن شيئا من حجتنا ذلك أننا حين نتحدى الناس بالقرآن لا نطالبهم أن يجيئونا بنفس صورته الكلامية كلا ذلك ما لا نطمع فيه ولا ندعو المعارضين إليه وإنما نطلب كلاما أيا كان نمطه ومنهاجه على النحو الذي يحسنه المتلكم أيا كانت فطرته ومزاجه بحيث إذا قيس مع القرآن بمقياس الفضيلة البيانية حاذاه أو قاربه في ذلك المقياس وإن كان على غير صورته الخاصة فالأمر الذي ندعوهم إلى التماثل أو المقاربة فيه هو هذا القدر الذي فيه يتنافس البلغاء وفيه يتماثلون أو يتقاربون وذلك غير المعارض والصور المعينة التي لا بد من الاختلاف فيها بين متكلم ومتكلم فإن عسر عليك أن تفهم كيف تجيء المماثلة مع هذا الاختلاف ضربنا لك مثلا قوما يستبقون إلى غاية محدودة وقد اتخذوا لذلك مجالا واسعا لا يزاحم بعضهم فيه بعضا ولا يضع أحدهم قدمه على موضع قدم صاحبه بل جعل كل منهم يذهب في طريقه الخاص به موازيا لقرنه في المبدأ والوجهة ثم يكون منهم المجلي والمصلي والمقفي والتالي ويكون منهم من لا حظ له في الرهان ويكون منهم المتكافئون المتعادلون وهكذا تراهم وهم مختلفو المنازل يقع بينهم التماثل كما يقع بينهم التفاضل بنسبة ما قطعه كل منهم من طريقه إلى الغاية المشتركة فكذلك المتنافسون في حلبة البيان يعمد كل منهم إلى الغرض من الطريق التي يرضاها وعلى الوجه الذي يستمليه من نفسه ثم يقع بينهم التماثل