والحرف الثالث: الربوا وهو الزيادة الظاهر والباطن، وهي قاعدة الأمان ومفتاح التقوى. قال الله تعالى: (ياأَيُها الَّذَينَ ءامَنوا اِتَقوا اللَهَ وَذَروا ما بَقيَ مِنَ الرِبوا إِن كُنتُم مُؤمِنينَ فَإِن لَم تَفعَلوا فَأَذَنوا بِحَربٍ مِنَ اللَهِ وَرَسولِهِ) ويشتمل على أبواب الحرام وأنواع الخبائث وضروب المفاسد وهو نقيص الزكوة. قال الله تعالى: (يَمحَقُ اللَهُ الرِبا ويُربي الصَدَقات والله لا) واجتنابه أصل في التصرفات المالية. ويرجع حاصله فيها إلى جنسين: ربا الفضل وربا النسيئة. ولذلك زيدت الألف فيه بعد الواو علامة على أنه جامع " لهذين " القسمين في الملك بالنسبة إلى قسم الملكوت.
وقد جاء حرف واحد بغير واو في سورة الروم: (وَما ءَاتَيتُم مِن رِبا لِتَربوا في) لأن هذا الحرف ليس هو العام الكلي، لأن الكلي منفي في حكم الله عليه بالتحريم. وفي نفي " الكل نفي " جميع جزئياته فهو يعم جزئيائته في باب النفي. فإذا أتوا منها شيئا نقضوا الكلية وبطل العموم في الوجود بفعلهم لخروج ما أتوا منه. ونفي عموم الحكم ثابت أبدا.
واجتمع فيما أتوا النقيضان: النفي الحكمي والإثبات الفعلي. وليس يلزم من نفي الكلي إثبات الجزئي أصلا إنما يلزم نفيه قطعا. هكذا هي حقيقة الحكم. فليزم منه أن ما أتوا من ربا منفي في حكم الله. وكذلك يلزم في حقيقة الحكم من إثبات الجزئي إثبات الكلي بالضرورة. فما أتوا من زكوة تضمن " كلية في حكم الله وكليه يتضمن كليه " وهلم جرا إلى ما لا نهاية له. ويدلك عليه قوله تعالى: (وَما ءأتَيتُم مِن رِبا لِتَربوا في أَموالِ الناسِ فَلا يَربوا عِندَ اللَهِ وَما ءَاتَيتُم مِن زَكاة تُريدونَ وَجهَ اللَهِ فَأَُولَئِكَ هُم المُضعِفونَ) فلهذا كتب في هذه الآية الربا بالألف والزكاة بالواو. فافهم.
والحرف الرابع: الحياة وهي " باطنة وظاهرة " وهي قاعدة النفوس ومفتاح البقاء والخلود. قال الله تعالى: (وَلَكُم في القَصاصِ حَياةٌ يا أَُولي الألباب).
فتشتمل على أبواب النكاح والولادة والرضاع والقصاصا والذبائح والصيد في البر والبحر والجهاد والعبيد والوصايا و " المواريث " وغير ذلك.
والحرف الخامس: النجاة وهي " باطنة وظاهرةس " وهي قاعدة الطاعات ومفتاح السعادات. قال الله تعالى حكاية عن المؤمن: (وَياقَومِ ما لي أَدعوكُم إلى النَجاةِ وتَدعونَنَي إِلى النار) فهو أصل يشتمل على أبواب المنجيات وأنواع المهلكات في الحياة وبعد المماة وعلى أقسام البينات والمواعظ والآيات.
والحرف السادس: الغداوة وهي باطنة وظاهرة قاعدة الأزمان ومفتاح الحركات والأكوان ومبدأ تصرفات الإنسان يعلم ذلك بالعيان. قال الله تعالى: (وَاصبِر نَفسَك مَعَ الَّذَينَ يَدعونَ رَبّهُم بالغَداة والعشىّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعد عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُنيا) وهي مشتقة من الغدو فتشتمل على أبواب الأعمال للدنيا والآخرة واختلاف الأزمنة والأيام. فيرجع إليها أوقات الزراعة والفلاحة واحتناء الفواكه والثمار واقتناء الأقوات وتركيب الأدوية واختيار الأغذية وضروب الأسفار وركوب البحار، وجميع ما يتصرف فيه بالليل والنهار. فإن الناس إنما يبتدئون التصرف في ذلك كله من الغداة.
ألا ترى كيف قال أصحاب الجنة: (أَن اِغدوا عَلى حَرثِكُم إِن كُنتُم صارِمينَ).
والحرف السابع: المشكاة " وهي باطنة وظاهرة " وهي قاعدة الهداية ومفتاح الولاية. قال الله تعالى في الآية: (يَهدي اللَهُ لِنورِهِ مَن يَشاء) فمثلها يشتمل على مدارك العقول وأحكام الوجود ومعارف الملك والملكوت ومعارج الأفكار من الدلائل والآثار إلى ما غاب عن العيان ولا تقارنه الأزمان ولا تقاسم الأذهان، وعلى ضروب الدلائل والبرهان وإقامة القسط بالميزان وصريح الإيمان. فيندرج فيه كل العلوم وما شاء الحي القيوم.
والحرف الثامن: مناة: وهي ظاهرة وباطنة. هي قاعدة الضلال ومفتاح الشرك والإضلال قال الله تعالى في الآية (وَمَناةَ الثالِثَةَ الأَخرى) ووصفها بوصفين: أحدهما يدل على تكثيرهم الإله فمن " مُثَن، ومن " مثلث وغير ذلك.