وكذلك زيدت الألف بعد الهمزة في " كلمتين " :(إِنّي أُريدُ أَن تَبُوأَ) و (ما إِنّ مَفاتِحَهُ لَتَنوأ) تنبيها على تفصيل المعنى " فإنه " يبوء " بإثمين " من فعل واحد. وتنوء المفاتح بالعصبة فهو نوآن " للمفاتح " لأنها بثقلها أثقلتهم فمالت وأمالتهم. وفيه تذكير بالمناسبة يتوجه به من مفاتح كنوز مال الدنيا المحسوس إلى كنوز العلم التي تنوء بالعصبة أولي القوة في بقيتهم إلى ما عند الله في الدار الآخرة من النعيم المقيم.
وكذلك زيدت الألف بعد الهمزة " المعضودة " بالواو لبيان وقوع المعنى على تفاصيله بالنسبة إلى شيء خارج عنه كما ذكرناه في باب الهمزة. ومنه: (كَأمثالَ اللُؤلُؤ). زيدت الألف بعد الهمزة المعضودة آخراً تنبيها على صفتي البياض والصفاء، وبالنسبة إلى ما ليس بمكنون وعلى تفصيل الأفراد.
يدل عليه قوله تعالى: (كَأَمثالِ) وهو على خلاف حال: (كَأَنّهُم لُؤلؤٌ) " لم " تزد الألف للإجمال وخفاء التفصيل: يدل على ذلك قوله تعالى: (كَأَنّهُم لُؤلُؤٌ مَكنَون).
وكذلك زيدت الألف في الإسم المفتوح المنون علامة على أنه وسط بالنسبة إلى المرفوع والمخفوض وأنه كامل التمكن بالنسبة إلى غيره.
وكذلك: (وَتَظُنونَ بِاللَهِ الظُنونا) و (فاضَلونا السَبيلا) (وَأَطعنا الرَسولا). زيدت الألف لبيان القسمين واستواء الظاهر والباطن بالنسبة إلى حالة أخرى غير تلك. ولم تزد لتناسب رءوس الآي كما قال قوم. لأن في سورة الأحزاب (وَاللَهُ يَقولُ الحَقّ وَهُوَ يَهدي السَبيل). وفيها: (فَأَضلونا السَبيلا)، وكل واحد منهما رأس آية، وثبت الألف في الثاني دون الأول. فلو كان لتناسب رؤوس الآي لثبت في الجميع.
والضرب الثالث الذي تزاد فيه في وسط الكلمة.
هذا يكون لمعنى في نفس بمعنى الكلمة ظاهر في الفهم مثل: (وَجاىء يَومَئِذٍ بِجَهَنّم) زيدت الألف دليلا على " أَنّ " هذا المجيء هو بصفة من الظهور ينفصل بها عن معهود المجيء. وقد عبر عنه بالماضي، ولا يتصوّر إلا بعلامة من غيره ليس مثله، فيستوي في علمنا ملكها وملكوتها في ذلك المجيء. ويدل على ذلك قوله تعالى في غير هذا الموضع (وَبُرَزَتِ الجَحَيمُ لِمَن يَرى) وقال: (إِذا رَأَتَهُم مِن مَكانٍ بَعيد سَمِعوا لَها تَغَيُظاً وَزَفيراً) فهو على خلاف حال: (وَجيء بِالنَبيينَ وَالشُهَداء) فإن هذا على معنى معروف المثل في الدنيا والآخرة.
ومن تأوله بمعنى البروز في " المحشر " لعظيم حساب الخلق " أثبت الألف فيه أيضا.
وكذلك: (وَلا تَقُولَنَّ لِشاىءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غداً). الشيء هنا معدوم وإنما علمناه من تصور مثله الذي قد وقع في الوجود فنقل له الإسم منه من حيث إنه بقدر أنه يكون مثله في الوجود.
وعلى ذلك ثبت له الإسم لا من الجهة التي هو بها معدوم لأنه من تلك الجهة ليس بشيء. فانقسم في الإعتبار قسمين والجهة التي هو بها شيء غير الأخرى فزيدت الألف تنبيها على اعتبار المعدوم من جهة تقدير الوجود إذ هو موجود في الأذهان حقا معدوم في الأعيان حقا.
وهذا على خلاف حال الحرف الذي في النحل: (إِنّما قَولُنا لِشيءٍ إِذا أَرَدناهُ أَن نَقَولَ لَهُ كُن فَيَكون) لأن الشيء هنا من جهة قول الله له: (كُن) لا نعلم كيف ذلك فلا ينقسم.
و وما يرسم في نفوسنا من ذلك بالتوهم هو راجع إلينا حال شعرية كاذبة فنؤمن بالمعنى تسليما لله فيه لأنه سبحانه يعلم الأشياء بعلمه لا بها، ونحن إنما نعلم الأشياء بوجودها لا بعلمنا فلا نشبه ولا نعطل.
وكذلك: (إِلى فِرعَونَ وَمَلائِهِ) زيدت الألف بين اللام والهمزة المعضودة بالياء تنبيها على تفصيل في هذا الملإ ظاهر في الوجود. وقد جاء ذكر هامان وقارون منهم. وهذا تقسيم ظاهر في الوجود.
وكذلك زيدت الألف في مائة لأنه في اسم اشتمل الوجود على كثرة مفصلة بمرتبتين آحاد وعشرات.
وهو تضعيف العشرة عشرة أمثال الذي هو التضعيف الواحد عشرة أمثال إذا علم ذلك بالفعل في الوجود وكان حقا لا شك فيه. فالمائة أضعاف الأضعاف للواحد ففيها تفصيل الأضعاف مرتين لذلك زيدت الألف في مائتين أيضا تنبيها على المرتبتين في الأضعاف.
وليس زيادة الألف في مائة للفرق بينها وبين " منه " كما قال قوم لأنه ينعكس بالمائتين إذ لا تلتبس فقد وجد الحكم وهو زيادة الألف في المائتين مع تخلف العلة.