وهكذا حتى كثر التفسير فاحتاج الناس بعد ذلك لما ظهر التدوين إلى أن يدوّنوا تفاسير السلف، وهذه الكتب التي دوّنت تفاسير السلف تسمى كتب التفسير بالمأثور؛ لأنه ليس فيها رأي لأصحابها كتفسير عبد الرزاق بن همام الصنعاني قد طبع مؤخرا وكتفسير الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وكتفسير بابن مردويه وكتفسير ابن المنذر وكتفسير عبد بن حميد، وتفسير ابن أبي حاتم، أتى بعد ذلك ابن جرير فجمع كثيرا من تلك التفاسير المنقولة عن السلف في كتابه المشهور بالتفسير.
وهذه التفاسير المنقولة عن السلف في كتب التفسير بالمأثور هي عمدة الذين يفسرون القرآن بالمأثور عن الصحابة رضوان الله عليهم؛ لكن الصحابة رضوان الله عليهم ربما اجتهدوا في التفسير بل كثيرا ما اجتهدوا في التفسير، فليس كل ما فسروا به القرآن قد سمعوه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أخذوا تفسيرهم من القرآن في آية أخرى؛ بل إنهم اجتهدوا فيه.
وهذا كما يقول شيخ الإسلام وغيره يقول (وَالْعِلْمُ إمَّا نَقْلٌ [مُصَدَّقٌ] عَنْ مَعْصُومٍ وَإِمَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ)، (إمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ. وَإِمَّا [قول] (١) مُحَقَّقٌ بالبرهان.
والصحابة رضوان الله عليهم فيما اجتهدوا فيه في التفسير لم يفسروا القرآن بالرأي المجرد المذموم الذي جاءت الأدلة بذمه وإنما فسروا القرآن بما عندهم من آلات الاجتهاد والاستنباط.
ولهذا أهل العلم بعد ذلك ربما فسروا القرآن بالاجتهاد وبالاستنباط لأن الصحابة رضوان الله عليهم فسروا القرآن بالاجتهاد وبالاستنباط، فظهرت هناك تفاسير اجتهد فيها أصحابها أن يفسروا القرآن إما على وفق اللغة في كتاب مجاز القرآن ويعني بالمجاز معاني القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى الإمام اللغوي المعروف، وككتاب الفراء معاني القرآن ونحو ذلك.