هذا له مدرسة كبيرة هي مدرسة تفسير القرآن بالرأي؛ ويُعني بالرأي في هذا الموضع عند أهل التفسير الاستنباط والاجتهاد، فمعنى تفسير القرآن بالرأي تفسيره بالاجتهاد، والرأي رأيان رأي ممدوح ورأي مذموم:
أما الرأي الممدوح فهو تفسير القرآن بالاستنباط وبالاجتهاد على وَفق الأصول المعتبرة في الاستنباط والاجتهاد، وفسر الصحابة كما ذكرت لكم بالاستنباط، هناك شروط لمن يفسر القرآن بالاجتهاد والاستنباط، وهذه الشروط جماعها:
أولا أن يكون عالما بالقرآن حافظا له، يعني مستظهرا لآياته عالما بمواقع حججه، مستحضرا لكثير من القراءات المختلفة فيه؛ لأن القراءات المختلفة تفسير لبعض القرآن كما في قراءة مثلا كما في قوله تعالى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ فإنه في القراءة الأخرى ﴿وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطَّهَّرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فهذه تفسير لقوله ﴿حَتَّىَ يَطْهُرْنَ﴾، ﴿حَتَّىَ يَطَّهَّرْنَ﴾ قراءة أخرى تفسير لقوله ﴿يَطْهُرْنَ﴾.
فإذن العلم بالقرآن بحفظه واستظهاره ومعرفة مواقع حججه، هذا شرط أول فيمن يريد أن يفسّر القرآن بالاستنباط والاجتهاد.
أيضا أن يكون عالما بالسنة إما بالقوة القريبة؛ يعني بالبحث أو بالملكة أن يكون حافظا للسنة ونحو ذلك أو بالبحث... (١)
يكون عالما كيف يعلم ما بينت السنة من القرآن وكيف يُثبت ذلك يعني أن يكون عارفا بطريقة إثبات السنن وهو المعروف عند أهل العلم بعلم مصطلح الحديث وعلم الرجال، فلابد للمفسر -المفسر بالاستنباط والاجتهاد- أن يكون عالما بالسنة بالبحث بالحفظ أو بالبحث وعالما بطريقة إثبات السنن عن طريق علم مصطلح الحديث والجرح والتعديل وقواعد ذلك.