قال نعم ألم تسمعا لقول عنترة:
إنّ الرجال لهم إليك وسيلة… …أن يأخذوك تكحلي وتخضبي
قال فأخبرنا عن قول الله جل وعلا ﴿عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ [المعارج: ٣٧]، ما العزون؟
قال: العزون الجامعات في تفرقة.
فقالا له: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم أوَ ما سمعتم قول الشاعر:
فجاءوا يُهرعون إليه حتى …يكونوا حول منبره عزينا
في أسئلة كثيرة معروفة اعتنى بها علماء التفسير، وإن كان بعض المحققين من المفسرين وعلماء اللغة يكرهون الاستشهاد عن معاني القرآن بالشعر كما كره ذلك ابن فارس وغيره من العلماء؛ لكن جرت سنة أهل التفسير على أنهم يستشهدون بكلام العرب لفهم ما كان غامضا من معاني القرآن، وما ذُكر عن الصحابة في الاستشهاد في الشعر كثير وإن كان في أسانيده على طريقة المحدثين ما لا يقبل.
المقصود أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على علم تام بلغة العرب بمنظومها ومنثورها، وهذا لاشك يجعلهم في الرّيادة في تفسير كلام الله جل وعلا، وما بعدهم عندهم من النقص في التفسير بقدر نقصهم في فهم اللغة.
الصحابة رضوان الله عليهم من مميزات تفاسيرهم أنه يكثر فيها اختلاف التنوع.
وسيأتي في بيان مقصود التفسير أن الاختلاف في التفسير ينقسم إلى قسمين: اختلاف تنوع واختلاف تضاد؛ بل الاختلاف عموما ينقسم إلى هذين القسمين.
واختلاف التنوع كالاختلاف في الأسماء مثلا فإنهم اختلفوا في تفسير الصراط في قوله تعالى ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]، فقال بعضهم: الإسلام. قال بعضهم: القرآن، قال بعضهم: الصراط محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكلها كالأفراد لمعنى عام واحد هذا تفسير منهم.
وهذا الاختلاف -اختلاف التنوع- منهم أفاد المفسرين بعد ذلك كثيرا؛ لأنه يكون كالإشارات يستفيد منها المفسر للتعبير عن معنى الآية بما يناسب الحاجة -حاجة الناس- لذلك لأن القرآن نزل هاديا للناس.