فهذا الفصل هو الذي من أجله أنشئت هذه الرسالة الموسومة بالمقدمة في أصول التفسير، فأحسن طرق التفسير كما ذكر العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هي تفسير القرآن بالقرآن؛ لأن القرآن الكريم كلام الله جل وعلا وكلام الله يفسر بعضه بعضا وتفسير الآية بعضها ببعض يكون على أنحاء:
الأول منها أن يكون في الآية بيان لمعنى اللفظ المشكِل فيها أو لمعنى الكلمة المشكلة فيها، فإذا كانت الآية في نفسها ما يدل على المعنى، فالمصير إليه أولى من طلب شيء خارج، وهذا الذي يسمى تفسير بالدليل المتّصل، والدليل المتصل معتبر عند الأصوليين في تقييد المطلق وفي تخصيص العام وفي تبيين المجمل، وأشباه ذلك، فاعتباره في تفسير الآي ظاهر؛ لأن الآية فيها ما يبين المعنى المراد.
الثاني أن يكون الدليل ليس في الآية، أن تكون الآية ليست متصلة أو تكون آية أخرى، ويكون ما أشكل في موضع فسر في موضع آخر، وهذا يكون باعتبار دلالة اللفظ ودلالة السياق تارة أخرى، بمعنى أنه يكون هناك إشكال في لفظ الآية وفي تفسيرها فيطلب في موضع آخر فيتحرر المقصود من الموضع الآخر إما بلفظه تفسر لفظه، أما بالسياق يحدد المراد من الآية الأخرى.
قد نأتي ببعض الأمثلة.
الثالث أن يكون التفسير بما يسمى لغة القرآن؛ بمعنى أن يكون مورد هذا اللفظ المختلَف فيه المطلوب أن يفسر، المطلوب تفسيره، أن يكون مورده في القرآن بهذا المعنى، فإذا استقرئت الآيات وُجد أنها في كل موضع المعنى هو هذا، فتفسير اللفظة في الموضع المشتبه لما جرى عله ما يسمى بلغة القرآن أولى من تفسيرها بأمر خارج عن ذلك.
الرابع من تفسير القرآن بالقرآن أن يكون تفسير الآية راجعا لما يفهم من آيات كثيرة في معنى هذه الآية، معناه أنه ليس دليلا متصلا ولا منفصلا ولا عرفا لغويا ولكن يفهم المفسر من مجموعه فهمه لآيات أن يكون هذا تفسير هذه الآية.