ولهذا شَرُفَتْ تفاسير السلف؛ لأنهم يفسّرون لا من جهة اللفظ فقط ولكن من جهة فهمهم للمعنى، فَهُم يفهمون المعنى والسياق الذي جاء فيه اللفظ -يعني سياق الآية- فيفسرون ناضرين إلى الجهتين جهة اللفظ ومعناه وجهة السياق؛ لأن الجميع تقريبا تفسير اللفظ في اللغة يعني بمفردها تقريب وتفسير اللفظ بما دل عليه السياق تقريب أيضا للمعنى؛ ولكن التقريب الذي فيه الدرجتان وفيه الأمران -الذي هو لآية الأمر ولأية السياق كما عليه السلف- هذا لاشك أنه أبلغ وأبلغ.
ولهذا يشرف في التفسير العلماء، كلما زاد علم العالم لكما نال من التفسير أكثر وأكثر، لم؟ لأنه يفسر من الجهتين، إذا كان عالما باللغة فهو ينظر إلى المعنى وينظر إلى السياق ويقرب من جهتين.
وهذه مسألة مهمة من جهة التقريب.
فإذن لا تنازع في تفسير بعض الكلمات، مثلا لو فسرها بعض السلف فسر يعض الآيات بكلمة، ثم وجدت من المفسرين من ذكر معنى آخر، فهنا لا يعد هذا اختلافا للسلف بل تنظر: هل هذا المعنى الثاني مواكب لمعان السلف، أم مضاد لها، إذا كان يدور في فلكها فالعمدة جميعا التقريب تقريب المعنى، وأما إذا كان مضادا لها فإذا هو الذي ينكر، ولهذا توسع العلماء في التفسير في التقريب، التفسير بالتقريب توسعوا فيه، فيذكروا العالم فيذكر العالم ما يفهمه من الآية مقربا المعنى للناس، وهذا التقريب لابد أن يكون محكوما بأصول تفاسير السلف، وهذه طريقة المحققين من العلماء الذين يتابعون السلف في التفسير.
ويذكرون مثالا مثل ما مر معنا في قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة﴾ [النحل: ٤١]، حسنة هذه ما هي؟ قال بعضهم: المال، الإمارة، الزوجة الصالحة، هذا تمثيل.
مثل الصراط المستقيم: القرآن، الإسلام، السنة والجماعة، هذا إذا فسره فإنما يعني به أن يذكر بعض أفراده؛ يعني تمثيل له حتى يتضح المعنى.
[المتن]