وَالْعَرَبُ تُضَمِّنُ الْفِعْلَ مَعْنَى الْفِعْلِ وَتُعَدِّيهِ تَعْدِيَتَهُ وَمِنْ هُنَا غَلِطَ مَنْ جَعَلَ بَعْضَ الْحُرُوفِ تَقُومُ مَقَامَ بَعْضٍ كَمَا يَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ [تعالى] :﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلَى نِعَاجِهِ﴾ [ص: ٢٤]، أَيْ مَعَ نِعَاجِهِ و ﴿مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢، الصف: ١٤] أَيْ مَعَ اللَّهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ نُحَاةُ الْبَصْرَةِ مِنْ التَّضْمِينِ فَسُؤَالُ النَّعْجَةِ يَتَضَمَّنُ جَمْعَهَا وَضَمَّهَا إلَى نِعَاجِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٧٣]، ضُمِّنَ مَعْنَى يُزِيغُونَك وَيَصُدُّونَك.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [الأنبياء٧٧]، ضُمِّنَ مَعْنَى نَجَّيْنَاهُ وَخَلَّصْنَاهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٦]، ضُمِّنَ يُرْوَى بِهَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
[الشرح]
هذه قاعدة عظيمة تحتاج إلى بيانها البيان المفصل، وتحتاج إلى محاضرة كاملة لأنها من أنفع علوم التفسير؛ قاعدة التضمين.
وذلك أن العلماء -علماء العربية- اختلفوا في الأحرف؛ أحرف الجر هذه وأحرف المعاني، اختلفوا فيها على قولين:
منهم من يقول: إن الأحرف قد ينوب بعضها عن بعض، مثل ما قال بعضهم في تفسير ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلَى نِعَاجِهِ﴾ يقول ﴿إلَى﴾ هنا بمعنى مع.