فبعد أن قرّر شيخ الإسلام أن العلم قسمان، إما نقل عن معصوم أو قول عليه دليل معلوم، إما نقل مصدق أو قول محقق يعني محقق بالأدلة، تكلّم على النقل المصدق وصلة ذلك في التفسير، وقال: إن النقل الذي ينقل في التفسير كثير ليس بنقل صحيح. وهذا واقع فإن النقول التي تكون في كتب التفسير عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسانيد أو عن الصحابة كثير منها ليس بذي أسانيد جيدة؛ بل إما أن تكون ضعيفة لضعف أحد رواتها أو ضعيفة لجهالة بعض الرواة أو أن تكون ضعيفة بالإرسال أو نحو ذلك.
وبين أن كلمة الإمام احمد في هذا وهي قوله: ثلاثة ليس لها أصول التفسير والملاحم والمغازي. أنها كما رُويت باللفظ الآخر ثلاثة ليس لها إسناد؛ ويعني بالإسناد الإسناد المتصل الذي يعتمد على مثله، وأن أكثر الأسانيد التي نُقلت به تلك الأمور التفسير والمغازي والملاحم أنها أسانيد إما مرسلة وإما غير صحيحة.
ثم ذكر طبقات الناس في العلوم فقال مثلا في المغازي: أعلم الناس بالمغازي أهل المدينة، ولهذا تكون روايات أهل المدينة في المغازي تكون عند أهل العلم أكثر قدرا من رواية غيرهم، مثل كلام ابن إسحاق ومثل مغازي ابن شهاب الزهري ومثل مغازي عقبة بن نافع ومثل مغازي عروة بن الزبير، ونحو ذلك من المغازي التي جمعت، ثم يليهم في ذلك أهل الشام، ثم يلي أهل الشام في ذلك أهل العراق فكل له خصوصية.
مثل السير: السير أهل الشام أعلم بها، ولهذا قال هنا أن سير الفزاري وهو كتاب جليل في السير مطبوع؛ يعني السير أحوال أحكام الحروب، أحكام المغازي من حيث هي أحكام، لا من حيث هي أخبار، فقال أن أهل الشام في ذلك أقعد؛ لأنهم قريبوا لجنب، الثغور بجنبهم، والروم بجنبهم والكفار قريبون منهم، وهم أهل الجهاد وأهل القتال، فلذلك يحتاجون إلى معرفة أحكام السير أكثر من احتياج غيرهم، ولهذا صار مثل سير الفزاري يعتمد عليها وكذلك مثل سير الأوزاعي نحو ذلك.