وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَصْدِيقِ الْخَبَرِ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ بِهِ فَالِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، كَمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَحْكَامِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِبَاحَةِ.
والْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُقِ مَعَ عَدَمِ التَّشَاعُرِ (١) أَوْ الِاتِّفَاقِ فِي الْعَادَةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ الْمَنْقُولِ؛ لَكِنَّ هَذَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَثِيرًا فِي عِلْمِ أَحْوَالِ النَّاقِلِينَ.
وَفِي مِثْلِ هَذَا يُنْتَفَعُ بِرِوَايَةِ الْمَجْهُولِ وَالسَّيِّئِ الْحِفْظِ وَبِالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَكْتُبُونَ مِثْلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ يَصْلُحُ لِلشَّوَاهِدِ وَالِاعْتِبَارِ مَا لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ.
قَالَ أَحْمَد: قَدْ أَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ لِأَعْتَبِرَهُ. وَمَثَّلَ هَذَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ (٢)

(١) قال الشيخ صالح: (مَعَ عَدَمِ التَّشَاعُرِ) يعني -إذا صحت هذه اللفظة- فكأن معناها أن طائفة من هؤلاء الذين نقلوا لم تشعر بما نقلته الطائفة الأخرى منهم؛ يعني لم يقع منهم الاشتراك في ذلك، التشاعر؛ يعني ما شعر هؤلاء بما نقله أولئك، ولم يشعر هؤلاء بما نقله أولئك؛ لكن لفظ التشاعر به غرابة، ولعله أن يكون لفظ التشاور بالواو من المشاورة؛ يعني ما شاور بعضهم بعضا ولم يقع هذا الاتفاق عن تشاور منهم؛ لأن التشاور هو الاتفاق، فالتشاور يكون أولى.
(٢) قال الشيخ صالح: هو في الحقيقة ابن لهيعة في مصر أكثر أهل مصر الحديث؛ لأن علم طبقة تابعي التابعين وصغار التابعين في مصر صارت إليه وهو قاضي مصر وعالم مصر، علم المصريين آل إليه؛ عبد الله بن لهيعة رحمه الله تعالى.
ثم هل حديثه من باب الصحيح أو من باب الضعيف هذا فيه بحث معروف ليس هذا موضعه.


الصفحة التالية
Icon