نعم... بطريقتهم التي تتلخص بالتفرد بالمراجعة، والإعتماد على النفس في المطالعة، ظانِّين أن السبيل لهم في بغيتهم ميسور، والطريق إلى ما يرومون مُعتمد موفور.. وفي ظنِّي أن ظنَّهم هذا لا يُقبل، فقد يوصل إلى نتائج لا تُحتمل.
إنَّ الاستغناء عن :[ الشيوخ ] و [ الأساتيذ ] مهلكة للمرء، فمَثَلُ هذا الإنسان كالسائر في اللجج المتلاطمة وفي جوفها اللؤلؤ والمرجان، وعلى ظهرها تسير الجاريات في البحر كالأعلام، قاصدة دار الأمان، وأنَّى لها الوصول، وبلوغ المأمول، وأن يتيَّسر له على ما في البحر الحصول، إذا لم يُحسن التعامل مع البِحار، ولم يعرف كيف يتمُّ تفادى المهالك والأخطار ؟!.
إنَّ معرفته لا تتمُّ إلاَّ بالتلقِّي، والاستفادة من علم أهل السبر والتجربة والتقصِّي، وإلاَّ أضاع المرء من عمره جُلَّه، وما أدرك مما يريد أن يعلم إلا أقلَّة، وسيتكرر هذا مع كل واحد، وتمضي السنون فما تجد من [ واجد ]، بل الكلُّ يبدأ من نقطة الصفر، حتى إذا ما وصل إلى نقطة من سبقه، تراه وقد انقضت رحلة العمر!.
فماذا يحصل لهؤلاء الأحبَّة ؟
تتأجج عندهم العواطف، ولا يستطيع أن يصفها واصف، حتى إذا صُدِم أحدهُم بمعاند أو مكابر، أو متنطعٍ، أو مبتدع، أو كافر... إذا هم أمامه يتراجعون، فلا يستطيعون حماية دينهم ولا لتهمةٍ عنه يدفعون !!.
إنَّ مراجعة [ المشايخ ] والاستفادة من علمهم يوفِّر أوقاتاً، ويُجمِّع حججاً تُزيل حُجُباً : فما عندك لا يغنيك عما في يد غيرك، وما ملكه غيرك، قد لا ينفعه وينفعك، فتستكمل الحلقات، وتُدفع الشبهات، وتقوى حُجج أهل الإيمان. وإلاَّ كانت العاقبة وخيمة، فالمعتَّد بذات علمه، والذي أوكل أمره إلى خاصَّة نفسه، هو حاملٌ لخصلةٍ ذميمةٍ إذ باعَدَ نفسه عن قول ربِّه :
﴿ فاسألوا أهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمون ﴾