فليس الخاسر غيره، ومِن بعده ذلك الإسلام الذي تحمَّس له مِنْ غير علمٍ، فيرتدَّ على وجهه خائباً وهو حسير، خسر الدنيا والآخرة، لأنَّه ما تسلَّح بسلاح العلم، وما عرف منافذ وشُبه الخصم، وما تعلَّم سدَّها ولا ردَّها، بحجته وفهمه وعقله، دون محض حُبِّه، وأجيج عاطفته.
إنَّ كثيراً ممن لم يسلك هذا المسلك، تلف وهلك، وتزعزت عنده القناعة، وتلك هي المهلكة، وأحسن أحوالهم أنَّهم بقوا محايدين !!، والعياذ بالله - عز وجل - من السيء والأسوأ من الأحوال.
********
أمَّا حين يتكلم عالمٌ مِنْ علماء المسلمين، فإنَّنا نجد الأمر على خلاف ما ذكرنا تماماً.
هذا الإمام أبو الثناء محمود شهاب الدين الآلوسي رحمه الله [ت سنة ١٢٧٠ هـ ]، يتكلم في تفسيره المسمَّى :
[ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ]
عن قوله تعالى :﴿ والشمس والقمر بحسبان ﴾
فإنَّه يقول :
[ وفلاسفة العصر كانوا يزعُمُون أنَّ الشمس لا تجري أصلاً، وأنَّ القمر يجري على الأرض، والأرض تجري على الشمس، وقد سمعنا عنهم أنَّهم عَدَلوا منذ أعوامٍ عن ذلك، فزعموا أنَّ للشمس حركةً على كوكبٍ آخر، وهذا يدُلُّ على أنَّهم لم يكن لهم برهانٌ على دعواهم الأولى، كما كان مَنْ ينتصر لهم. والظاهر أنَّ حالهم اليوم بل وغدا، وحالهم بالأمس واحدٌ.. ونحن مع الظواهر حتَّى يقوم الدليل القطعي على خلافها، وحينئذٍ نميل إلى التأويل، وبابُه واسعٌ... ].
تفسير الآلوسي ـ ٢٧ / ١٠٠.
فإنَّك تجد في هذا الكلام دقَّةً متناهيةً في التوفيق بين النصوص والعلم التطبيقي، والحقُّ أنّه منهجٌ عظيمٌ نظيمٌ، ومنهجٌ علميٌّ نفعه عميم، وأُسلوبٌ إسلاميٌّ، لو تعامل به الإسلاميون الشباب ـ ولا أظُنُّهم يُحسنونه ـ لفلحوا، فإن لم يُحسنوه فليستعينوا بمن له القدرة..
﴿ وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم ﴾