ثم انتقل الإسلام – بانتقال نبيِّه - ﷺ - – إلى المدينة المنورة، ومن أهم سكنتها اليهود، أصحاب التوراة، وأتباع موسى - عليه السلام -، وأهل الديانة السماوية القديمة التي تعامل معها الإسلام – ومع النصرانية – بخصوصية ملحوظة. لكن هذه اليهودية ما فتأت مذ بُعث رسول الله - ﷺ -، وإلى أن وطئت قدماه الشريفتان ثرى [ قُباء ]، ومن ثم ثرى [ يثرب ]، يُثيرون شُبهاً، ويُحدثون إساءةً يُلقونها إليه عليه السلام مباشرة، أو يلقِّنونها كفار قريش – حتى قبل هجرته عليه السلام -، فكان هذا ثاني صراع فكري بعد صراع الإسلام مع كفار قريش.
ثم أدال المسلمون دولة الفرس، وفتح الله [ المدائن ] بجيش عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فلم تغفر المجوسية ذلك له، وهو الذي حقق نبوءة محمد - ﷺ - حين ألبس سُراقة بن مالك - رضي الله عنه - أساور كسرى، وتاجه، وأمسكه عصاه، وأجلسه على بساطه، تصديقاً لوعد الرسول - ﷺ - له عند الهجرة، في قصَّةٍ معلومة. وكان سراقة - رضي الله عنه - في أخريات عمره وقد كفَّ بصرُهُ !!.
لقد خلق هذا تحالفاً جديداً بين اليهودية والمجوسية، نرى آثاره حتى يومنا هذا، بدأ بأفكار [ ابن السوداء ] عبد الله بن سبأ اليهودي المتظاهر بالإسلام، ثم مرَّ بالفرق الكثيرة المغالية، وبخروج الفرس المتكرِّر – بأسماء شتى – على الدولتين الأموية والعباسية، واستمرت شرور هذا التحالف الجديد، بما أشاعه وأذاعه.. البرامكة، ثم القرامطة، ثم تكامل في العهد البويهي، وأخذ أشكال مدارس فقهيّة، وفرق فكرية منظمة، وما زالت هذه الفرق وما خلَّفت، وما باض وما فرَّخ في كنفها وأعشاشها، يفعل فعله في جسم الأمة وكيانها الفكري، واعتقادها السليم القويم.


الصفحة التالية
Icon