لقد كانت المسيحية بمنأى عن كل هذا، إلى أن ظهرت [الصليبية] بشكلٍ دموي دون أن يمتدَّ صراعها إلى الفكر والعقيدة، فهم أضعف من أن يخوضوا في هذا، لِمَا تحمله عقائدهم الهشَّة من ثغرات تجعلهم يبغون [ الستر ] والبعد، دون المجابهة والمنازلة.
ثم جاء الاستعمار الغربي بعد النهضة الأوربية، فاختلط الطمع بالعنعنات القديمة، فما حلَّ جيش أوربي في موضع إلاَّ وكان المبشرون إمَّا : قد سبقوه، أو لازموه، أو لحقوه.
وحين ضعفت الدولة العثمانية، وزالت الإمبراطورية المغوليَّة في الهند، أخذ الأوربيون النصارى يفرضون حمايتهم على الأقليَّات النصرانية في بلاد الإسلام، ويشترطون في المعاهدات التي يبرمونها مع الدول المسلمة شروطاً تصبُّ لصالحهم، وأخرى لحماية الإرساليات التبشيرية!!، وهم الذين يدعون إلى وجوب إبعاد الدين عن معترك الحياة.
لقد [ عَمَدَت ] الإرساليات التبشيريَّة، والبعثات المصاحبة للجيوش، إلى دراسة الإسلام، لا حباً به، بل طمعاً في ثغرة يجعلونها شبهة يُلقونها في قلوب أبناء المسلمين، فنشأ [ الاستشراق ]، وأُسِّست له معاهد، ورُصدت له أموال، وجُرَّ بعض علماء المسلمين إلى خدمة [ مأربه ] حين رُصدت الجوائز لنوع معين من التأليفات، ونُهبت الكتب، ونقلت إلى :
الفاتيكان، والاسكوريال، وليدن، ولندن، وأكسفورد، وواشنطن... إلخ. فانكبُوُا على دراستها، وبدؤوا بالنشر بكتبٍ مستقلة، أو في مجلات متخصصة، وكان همهم منصباً على إثارة الشبهات والشكوك، وتصيُّد بعض المسائل، وساعد على كل هذا تقبُّل المسلمين لأقوالهم، بسبب:
أ. إعجابهم بتقدُّمهم الحضاري المادي.
ب. بسبب البعوث التي درست في بلادهم، فاستتبع ذلك تأثرهم بهم.
فكان ذلك كله أرضاً خصبة لإلقاء بذور شكوكهم.
لقد تعاون في العصور المتأخرة اليهود والنصارى على تشويه الإسلام...
أما اليهود :
١. فلموقفهم القديم من الإسلام منذ أول لحظة.