نعم لا يمنع اختصاصه تعالى بعلمها أنْ يُطلع من يشاء من خلقه عليها، ولمَّا لم يثبت من طريق أنَّه أطْلَع عليها من خلقه أحداً على وجه التفصيل لا الإجمال، كانت الصياغة القرآنية في قوله تعالى :
﴿ إنَّ الله عنده..﴾
أي : عنده لا عند غيره، ولا تُشعر عبارة النص بأنَّ غيره [ عنده ] من علمها شيء، فصار اختصاص علمه بها من غير مشاركة..
ويؤيده ما في الآلوسي [ رح ] :(١)
[ فقيل.. إنَّ الله... ولم يقل : إن الساعة عند الله مع أنه أخصر، لأن : اسم الله أحقُّ بالتقديم، ولأن تقديمه وبناء الخبر عليه يفيد الحصر ـ كما قرر الطيبي ـ، مع ما فيه من مزيد تكرار الإسناد(٢). وتقديم الظرف(٣)يفيد الاختصاص أيضا، بل لفظ [ عند ] كذلك لأنها تفيد حفظه بحيث لا يُوصل إليه، فيفيد الكلام من أوجهٍ إختصاص علم وقت القيامة بالله عز وجل ].
إذن لا منازعة في اختصاصه - عز وجل - بها، ومعرفة الإرهاصات لا ينهض معارضاً لما تقرِّر، فمعرفة أشرطها غير معرفتها، وفي تعبير القرآن الكريم في كثير من الآيات صيغٌ تُشعر بقرب وقوعها، وتحقُّقه هو من هذا القبيل، ولعلك لو راجعت التفاسير المعبِّرة المعتبرة عند كلامها عن قوله تعالى :
﴿ أتى أمر الله فلا تستعجلوه ﴾، و﴿ أزفت الآزفة ﴾
فستجد كلاماً شافياً في هذا.(٤)
- - -
- - -
الفرع الثاني
العلم بنزول الغيث
وفيه مطالب
المطلب الأول
المعنى اللغوي
فالغيث هو : المطر، أو الخاص بالخير منه.
(٢) ٢٨) وهما لفظ الجلالة، والهاء-أي الضمير-، فالعلم أسند اليه تعالى صريحا ومضمرا لزيادة التأكيد.
(٣) ٢٩) والظرف هو ( عند ) قدمه المسند-وهو العلم-زيادة في اختصاص العلم بالله جل جلاله، ولو تغير النظم القرآني - كما افترض الآلوسي (رح) - لم يحصل المقصود.
(٤) ٣٠) راجع الرامهرمزي - ٢٤ فما بعدها.