فمعرفة أنَّ النازل غيثاً بيقين غير ممكن، وإن عُلم أنَّ النازل من السماء [ الغيم ] موعده قريب، من غير قدرة على تحديد الموعد الدقيق، ويؤيده ما في أسباب النزول، فالمطر لذي يُخصب ويَنفع، فيسمَّى غيثاً، غير معلوم للناس أبداً على وجه اليقين والتفصيل.
********
المطلب الخامس
تأييد النظم القرآني لما تقدَّم
إنَّ النظم القرآني يؤيد ما ذهبنا إليه من إمكان المعرفة العامة لموعد نزول النازل من السماء أو توقعه، دون الجزم به. ففي الاختصاص – وقد تم بيانه – الوارد بقوله تعالى :
﴿ إن الله عنده علم الساعة... ﴾
مع التأكيد بأحد أساليب التأكيد [ إنَّ ]، هو [ تأكيدٌ ] لما قلناه.
********
وحين انتقل الكلام إلى الغيث، نجد النظم القرآني، قد تغيَّر...
يقول تعالى :﴿.. وينزِّل الغيث.. ﴾
فالنظم لا يدلُّ على حصر العلم بالله - عز وجل -، وإن العلم اليقيني فقط محصورٌ به - عز وجل -.
وإذا كان الأمر يتعلق بقدرته على التنزيل دون سواه، فلا شك في هذا، [ إذ لا شبهة فيه... ]، كما قال الآلوسي.
على أنَّ الأمر إذا تعلق بالقدرة، فلا دلالة في النظم على نفي القدرة عن غيره ولو بصورة محدَّدةٍ في البقعة والزمن، وهذا يُفسر لنا أنَّ المطر الصناعي اليوم – وهو قدرة إنزال الغيث بصورة محددة – لا يتعارض مع النص الكريم، فإنَّ لفظة [ يُنزِّل ]، هي على شاكلة [ ويعلم ] ـ وسنتكلم عنها عند الكلام عن معرفة ما في الأرحام ـ، فهي بصيغة المضارع التي تعني الحال والاستقبال، فهو ينزِّل الآن ومستقبلا الغيث، وهو قادر عليه ولا تتغير قدرته، وهذا الأسلوب لا يعني حصر القدرة، بل بيانٌ لعظمة القدرة مع عدم نفيِّها عن الغير، فبمقارنة قدرة غير الله - جل جلاله - المحدودة، والكثيرة الكلفة، فإنها لا تكون شيئا تُجاه قدرته.