فالإختلاف في النظم هنا لا لنفي المعرفة والعلم مطلقا، وإلاَّ لوافق ما ورد بحق ما في الأرحام، والذي ورد بحق الكسب، وما ورد بحق مكان الموت، وكذا لوافق النظم ما قبله، وهو ما ورد بحق الآخرة، وكل هذا متفاوت. فالنظم لا يمنع العلم أو الظن الراجع بما في الأرحام ـ على تفصيل نسبيِّنه ـ، أو ما ينزل من المطر عموماً، بل المنع في تمييز ما هو غيث من غيره، وكذا المنع في معرفة التفصيل في نزوله في موقع معين لا يتعداه، أو ساعة محدَّدة، أو نزول قدر معلوم لا يتجاوزه ولا ينقص عنه. فهذا لا يُعلم، والمعرفة الإجمالية قد تُعلم بأمارتها وعلاماتها.
الفرع الثالث
حكمة التغييِّب عن الرسول - ﷺ -
وأنَّه لا يقدح في نبوَّته
أماَّ ما ورد في السنَّة النبويَّة الشريفة من الأخبار، وما ورد عن الصحابة الكرام من آثار، فلا تُحمل على عدم العلم مطلقا بما ورد في الآية ـ وهي هذه الخمسة ـ، بل يُحمل عدم العلم بها على وفق النظم القرآني، فعلم الساعة لا يعلمه إلاَّ الله، ولذلك ورد في إجابة الرسول - ﷺ - لجبريل - عليه السلام - في روايات متعددة قوله :
﴿ ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ﴾.
أما إجاباته عن البقية فكان بتلاوته - ﷺ - للآية، فيفهم أنها غير معلومة له - ﷺ -، وفي عدم إعلامه بها - ﷺ - من الله، لا مباشرة، ولا بتعريفه بإماراتها، حِكم كثيرة سنوردها لاحقاً.
********
أنَّ التغييب لبعض الأمور في الشرع مقصودٌ، وهو لا يقدح في هذا الدين، ولا يعني بُعده المطلق عن متناول الناس، فهذه [ ليلة القدر ] لم يرد فيها تحديد دقيق، بل وُضعت لها أمارات، ليجدَّ الناس في طلبها...
وصدق من قال :
ليس الخفاء بعارِ على امريءٍ ذي جلال
فليلة القدر تخفى وهي خير الليالي