وكذا قل عن الموت، فعدم المعرفة بمكانه، هو عدم معرفة بزمانه ضرورةً، لأن ما عُرِف مكانُه، يُتوقع زمانه وأوانه ساعة الحلول في ذلك المكان، أو الموضع، ويأمن منه عند البعد عن ذلك الموضع.
********
أما عن الاكتساب فسوف تتعطل الحياة لو علم كسب كل إمريء في غد، فمن علم أنه لا يرزق فيما يطمع به غدا ما خرج لعمله، ومن كان ينتظر منه عملا من الناس لا يجده، ولأجل هذا سيخيِّم الإرباك على تعامل الناس، وسيصعب تعيين زمان ارتزاق فلان وموافقته لزمن ارتزاق الأخر ذي المصلحة معه، وهذا التوافق سيقل قلةً ملحوظة، وبالتالي سيكون انتظام مرفق، وسير عمل، هو نوع خيال، أو ضرب من المحال.
إذن فتغييب الرزق عن علم عموم الناس هو عين الحكمة، ليطمع كل منهم أن يكون غده أحسن من يومه، فتتواصل الحياة وتُثمر.
********
إنَّ تغييب كثير من الأمور تتحقق الحكمة بتغييبها، كأوائل الشهور القمرية، وليلة القدر، والأحكام غير القطعية ـ ولعلنا نوفَّق في الكتابة في مثل هذا إن شاء الله - جل جلاله -.
المطلب الثالث
في
الحكمة الثالثة
تعليمهم أنَّ إخباره عما غاب، مما غبر، أو مما هو منتظر، توقيف من الله - عز وجل -، وما لا يُعلِّمه الله - جل جلاله - أحداً من عباده على وجه اليقين، فلا يُصدَّق مدَّعيه، فالذي يدعيه العرَّافون والمنجِّمون لا يُوازى بمعرفة الرسل عليهم السلام اليقينية، فإنَّ [ الأنبياء يعلمون كثيراً من الغيب بتعريف الله تعالى إياهم، والمراد إبطال كون الكهنة والمنجمين ومن يستقي بالأنواء، وقد يَعرِف بطول التجارب أشياء، من ذكورة الحمل، أو أنوثته، إلى غير ذلك، .. ،. وقد تتخلف التجربة، وتنكسر العادة، ويبقى العلم لله وحده ].(١)