أما النظر في الأمارات : فإن محصلتها ونتيجتها ظنية، لأن [ الأمارة ] غير [ الدليل ] أو [ الحُجَّة ] على رأي من يُفرق بينهما، فالأولى تعطي [ ظنا ]، والثانية تعطي [ علماً ]، والأول ممكن الحصول، والثاني دونه خرط القتاد، فما يُظنُّ عند رؤية الرياح الجنوبية في العراق ورطوبة الجو، من قرب نزول المطر من السماء، هو ظنٌ فإنَّه لا يعلم يقينا : ساعة نزوله، وموضعه، وكميته، وهل هو غيث أم مطر... الخ ؟. وكثيراً ما تُفاجأ البلدان الغربية رغم تقدُّمها العلمي بأمطار مُغرِقة، وسيول جارفة، ورياح عاتية، لأنهم لا يعلمون ما ستحدثه يقينا قبل قدومها، ولذلك تحدث عندهم الخسائر الجمَّة في مثل هذه الأحوال.
إنَّ بعض ما لم يعلمه رسول الله - ﷺ -، قد يعلمه الملايين من بني البشر ظناً راجحاً، أو يقينا، كظنِّهم الراجح بنزول المطر، أو ظنِّهم الراجح بما في الأرحام، وكل هذا لا يُعدُّ انتفاصاً من قدْره - ﷺ -.
قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
[.. من حدَّثك أنَّ محمداً رأى ربَّه فقد كذب.. ، ومن حدثك أنَّه
يعلم ما في غدٍ فقد كذب.. ].(١)
فبشريته - ﷺ - صفةٌ ثبتت له قبل ثبوت صفة النبوة، واقعاً وبإخبار القرآن الكريم.. يقول تعالى :﴿ قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليَّ... ﴾.(٢)
ولأجل هذه الصفة الثابته له عليه السلام يقيناً، وهي ملازمة له قبل وبعد البعثة، فقد يعلم غيره ما لا يعلمه عليه السلام فقد :
أخرج مسلم في صحيحه من حديث موسى بن طلحة عن أبيه قال:
{ مررت مع رسول الله - ﷺ - بقوم على رؤوس النخل..
فقال : ما يصنع هؤلاء؟.
فقالوا : يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فتلقح.
فقال رسول الله - ﷺ - : ما أظن يغني ذلك شيئاً.
(٢) ٥٧) الكهف / ١١٠.