إن العرَّافين والكُهَّان لا يمتنعون من إجابة ما، ولا يقولون لا نعرف فرسول الله - ﷺ - ليس كاهنا ولا عرَّافاً، فإذا حُجِب عنه معرفة شيء ما قال به، وما أُثر عنه من الأحاديث الشريفة هو نقلٌ لواقعٍ قائمٍ، فلا هو - ﷺ - يعرف في ذلك الزمن نزول الغيث ولا غيره.(١)
ولا يعلم ما في الأرحام، وما ذكروا من [ أمارات ] هي موصلةٌ للظن لا غير، والكلام في اليقين، وقد تنكسر العادة، وقد يتفق لهم الإصابة، وعلى هذا يُحمل ما يَصدُق من أنبائهم وأخبارهم.
[ رُوي أن يهوديا كان يحسب حساب النجوم : فقال لابن عباس - رضي الله عنه - :
إن شئت نبأْتُك نجم ابنك، وأنَّه يموت بعد عشرة أيام، وأنت لا تموت حتى تعمى، وأنه لا يحول عليَّ الحول حتى أموت.
فقال : أين موتك يا يهودي ؟.
قال : لا أدري.
فقال ابن عباس : صدق الله :﴿.. وما تدري نفس بأي أرض تموت..﴾، فرجع إلى بيته فوجد ابنه محموماً، ومات بعد عشرة أيام، ومات اليهودي قبل الحول، ومات ابن عباس أعمى ].(٢)
- -
- -
المطلب الخامس
في
الحكمة الخامسةً
تعليمهم أن عدم معرفة النبي - ﷺ - بما لم يعلمه الله - عز وجل -، غير قادح في نبوته، فليس نبوته قائمة لأجل الإخبار بالمغيبات، وإن كان بعض ما يؤيد صدقها هو الإخبار ببعض المغيبات، فهو
- ﷺ - نبي ينبئ عمَّا أنبأه الله - عز وجل - به ـ وقد مر بنا شرح هذا ـ. ثم هو نبيٌّ وقد يعلم بتعليم الله - عز وجل - فلا تعلق فيه للديانات، وتبليغ الرسالات، تصديقاً لنبوَّته، وتثبيتاً لصحابته. وهو نبيٌّ لا يُخبر إلاَّ بيقين، لا كأخبار العرَّافين، مرَّة تُصيب.. ومرةً تخيب.
أمَّا بقية الإجابات عما ورد في الآثار والأخبار، فنرجؤه إلى موضوعه من المبحث التالي.
- - - - -
المبحث الثالث
العلم بما في الأرحام

(١) ٦٥) راجع الهامش ٥١.
(٢) ٦٦) القرطبي – ١٤ / ٨٢.


الصفحة التالية
Icon