ففي قوله تعالى :
﴿ ويعلم ما في الأرحام... ﴾
وتعارضه مع الواقع، حين عُلم ما في الأرحام في عصرنا الحاضر، شبهة تعارض، بل الأبعد من هذا قد حصل، وهو تحديد نوع الجنين مسبقاً، فالعلم سابق لاختلاط النطفة في الرحم، والقدرة متحققة بحسب الواقع، وهو أبعد مدىً من المعرفة بعد العلوق أو نفخ الروح، ولهذا فمهمتنا هي دفع مثل هذا التعارض المتوَّهم، وفي ذلك أمورنبحثها في عدَّة فروع :
الفرع الأول
تحديد المعاني اللغويَّة
المطلب الأول
في تحديد معنى [ العلم ]
إنَّ معنى كلمة [ يعلم ] الواردة في النص هو أنَّها :
فعل مضارع يفيد الحال والاستقبال، فالمضارعة تفيد التجديد،
والعلم : يفيد اليقين.
فيكون المعنى : إنَّ الله يعلم يقيناً وقطعاً ما في الأرحام، الآن ومستقبلاً، وإلى قيام الساعة.
ولما كانت القاعدة الأصولية تقول :
[ مقابلة الجمع بالجمع ينقسم على الآحاد ]
فيكون معنى النص : إنَّ الله يعلم [ ما ] في كلِّ رحِمٍ ٠
على اعتبار أنَّ [ ما ] في النص للجمع، قوبلت مع جمعٍ آخر، هو:
[ الأرحام ].
لأن [ ما ] أسم موصول، يستعمل : للجمع، وللمفرد، وللمثنى، وللمذكر، وللمؤنث، وللعاقل، ولغير العاقل.
أمَّأ معنى الفعل [ يعلم ] : فينصرف لليقين.
فيكون المعنى : إنَّ علم الله - عز وجل - علمٌ يقينيٌ متجدِّدٌ. فيعلم منه سبب عدول النظم القرآني الكريم عن المشاكلة بين المتعاطفات، إلى غيره في موضوع علم ما في الأرحام وعلم الغيث، فبدأ النص بقوله :
﴿ إنَّ الله عنده علم الساعة.. ثم قال.. وينزل الغيث
ويعلم ما في الأرحام ﴾.
فهذا هو العدول الذي قصدناه.
فيكون ذلك إخبار من الله - عز وجل - عن علمه اليقيني المتجدد منه - عز وجل -، لأمرين من مسائلَ خمس، تكلم النص عنها، واختلفت أحكامها، فلا يفهم من النص حصر العلم، ولا حصر الإنزال به - عز وجل -، لأن الإخبار عن أمر بنسبته لشيء معين لا يعني سلبه عن الباقي.