والقاعدة الأصوليَّة تقول :[ تخصيص الشيء بالذكر لا ينفي ما عداه ].
فليس سلب القدرة عن الغير، ممَّا يُفهم من أساليب العربية، ولا كلام الناس، ولا أساليب البلغاء.
وإذا لم يكن هذا المقصود، لم يكن للعدول فائدة.
ويؤيد هذا الفهم، ما أورده الإمام أبو الثناء الآلوسي [ رح ] في تفسيره، ناقلا إيَّاه عن غيره :[... وقال الإمام في وجه نظم الجُمل : الحق أنه تعالى لمَّا قال :
﴿ يا أيها الناس اتَّقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده
ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئا إن وعد الله حق... ﴾.
فقوله.. ﴿.. واخشوا يوما.. ﴾، وذكر سبحانه أنه كائن، لقوله - عز وجل - :
﴿.. إنَّ وعد الله حق.. ﴾
فكأنَّ قائلاً يقول : فمتى هذا اليوم ؟
فأجيب : بأن هذا العلم ممَّا لم يحصل لغيره تعالى، وكذلك قوله سبحانه وتعالى :﴿ إن الله عنده علم الساعة..﴾
ثم ذكر - عز وجل - الدليلين اللذين ذكرا مرارا على البعث..
أحدهما : إحياء الأرض بعد موتها المشار إليه بقوله تعالى :
﴿ ويُنزِّل الغيث ﴾.
والثاني : الخلق ابتداءً، المشار إليه بقوله - عز وجل - :
﴿.. ويعلم ما في الأرحام ﴾
فكأنه قال - عز وجل - : يا أيها السائل إنك لا تعلم وقتها، ولكنها كائنةٌ، والله تعالى قادرٌ عليها.. كما هو سبحانه قادرٌ على إحياء الأرض، وعلى الخلق في الأرحام. ثم بَعَّدَ جل شأنه، له أن يعلم ذلك بقوله - عز وجل - :
﴿ وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأيِّ أرض تموت
إنَّ الله عليمٌ خبير ﴾.
فكأنه قال تعالى : يا أيها السائل إنَّك تسأل عن الساعة أيَّان مُرساها، وإنَّ من الأشياء ما هو أهم منها لا تعلمه، فإنَّك لا تعلم معاشك ومعادك، وما تعلم ماذا تكسب غدا، مع أنه فعلك وزمانك، ولا تعلم أين تموت مع أنه شغلك ومكانك.