فكيف تعلم قيام الساعة متى تكون ؟، والله تعالى ما علَّمك كسب غدك، ولا علَّمك أين تموت، مع أن لك في ذلك فوائد شتى، وإنما لم يعلِّمك لكي تكون في كل وقت بسبب الرزق راجعا إلى الله تعالى، متوكلاً عليه سبحانه، ولكي لا تأمن الموت إذا كنت في غبر الأرض التي أعلمك سبحانه أنك تموت فيها، فإذا لم يعلِّمك ما تحتاج إليه، كيف يُعلِّمك ما لا حاجة لك إليه، وهو وقت القيامة، وإنِّما الحاجة إلى العلم بأنها تكون، وقد أعلمك - عز وجل - بذلك على ألسنة أنبيائه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ..].(١)
فإذن لم يكن سياق الآية وسباقها مسوقان لحصر العلم بما في الأرحام بالله تعالى، بل له معنى آخر سيظهر لنا بعدئذ. ويقول الإمام الآلوسي :[... وهذا العطف لا يكاد يتسنى في :[ ويعلم ]، إذ يكون التقدير : وعنده علم ما في الأرحام، وليس ذاك بمرادٍ أصلاً ].(٢)
وكان كلامه ذاك، بعد كلامه عن العطف في الآية الكريمة موضوع كلامنا، حيث كان قد قال :[... وقد روعي في هذا الأسلوب الإدماج المذكور، ولذا لم يقل : ويعلم ماذا تكسب كلُّ نفسٍ، ويعلم أن كل نفس بأي أرض تموت.
وجَوَّز أن يكون أصل :﴿ وينزِّل الغيث ﴾، هو :﴿ وأن ينزِّل الغيث﴾، فحذف [ أن ] وارتفع الفعل... وكذا قوله سبحانه وتعالى :
﴿.. ويعلم ما في الأرحام ﴾
والعطف على [علم الساعة ]، فكأنه قيل : إن الله عنده علم الساعة، وتنزيل الغيث، وعلم ما في الأرحام، ودلالة ذلك على اختصاص علم تنزيل الغيث به سبحانه ظاهر، بظهور أنَّ المراد [ بعنده ]، تنزيل الغيث عنده علم تنزيله.
وإذا عُطف [ ينزِّل ] على [ الساعة ]، كان الاختصاص أظهر، لا انسحاب علم المضاف إلى الساعة إلى الإنزال حينئذ، فكأنه قيل : إن الله عنده علم الساعة، وعلم تنزيل الغيث ].(٣)
(٢) ٦٨) الآلوسي – ٢١ / ١١٠.
(٣) ٦٩) الآلوسي – المرجع السابق.