ولا يقال حينئذ أن القائم بالخلق والإيجاد هو الطبيب، بل هو قائم بالتلقيح ونسبة نجاحه في اختيار أحد النوعين هي نسبة عالية، ويبقى الله جل وعلا هو الخالق لأصل المواد التي يتم منها تكوين الجنين، وهو النافث للروح في لحظة نفثها، شبيه القاتل فليس هو الذي يزهق الروح ويسلبها صاحبها، وإنما ذلك لله - عز وجل - وحده. ويُرشد الله الملك الموكَّل بقبض الروح في لحظة مباشرة السبب [ وهو القتل ]، وهذا ممَّا عُرف في العقائد عند أهل السنة والجماعة.
وتبقى معرفة التفاصيل بحق هذا المخلوق من : شقاوته، أو سعادته، وصفاته الخلقية، وأجله، ورزقه، والتفاصيل الأخرى ممَّا يكتبه الله له في رحم أُمِّه، وأن شئت قلت في مرحلة من تكوينه، سواء في الرحم أو غيره، وكذلك لله - عز وجل - وحده، وإلى هذه اللحظة ـ إلاَّ إذا أستجد أمر
ـ، فحينئذٍ لكل حادث حديث، والمنهج الذي اخترناه في بداية البحث من احتمال النصوص للتأويل، يجعلنا لا نقف عاجزين ـ إن شاء الله تعالى ـ عن معالجة المستجدَّات.
أما معرفة ذكورة وأنوثة الجنين، فهو اليوم ممكن بالوسائل الحديثة التي تعطي ظناً راجحاً متاخماً لليقين، وذلك في نوع المولود بعد مدة تكوينه في الرحم، بالتحليل، أو غير ذلك من الوسائل كالشاشة المرئية [ السونار].
بل قد يُحدَّد ابتداءً بتدخل طبيٍّ، كما هو واقع الآن في حالات نادرة تستدعي ذلك، فلا تعارض فيما وقع مع النصوص على وفق ما بيَّناه آنفاً.
٤. [... ليست المغيَّبات محصورة بهذه الخمس، وإنَّما خُصَّت بالذكر لوقوع السؤال عنها، أو لأنها كثيراً ما تشتاق النفوس إلى العلم بها. وقال القسطلاني : ذكر النبي - ﷺ - خمساً، وإن كان الغيب لا يتناهى، لأن العدد لا ينفي زائداً عليه، ولأن هذا الخمس هي التي كانوا يدَّعون علمها ].(١)