إنَّ هذه الشُبَه التي أثارها الغربيون من يهود ونصارى في عصرنا الحديث، لم يتصدَ لها المتصدون بإسهاب، أو عمق، أو استدلال، أو استيعاب. فإنْ أنت وجدت رداً هنا أو هناك، فهناك الكثير ممَّا يحتاج إلى الرد، أو البيان، لتحصين عقول أبناء الأمة من الانسياق وراء :
نعيق، ونهيق، ونعيب.. هذا، وذاك، وأولئك !!.
بل إنَّك تجد الإهتمام منصبَّاً على :
إلقاء النوادر المضحكة ليلاً ونهاراً، وتتبع عورات المسلمين دون غيرهم،
والتعليقات اللاذعة بحق العاملين دون غيرهم، مع التبريرات المتهافتة لهذه الأفعال، وهم الذين قال فيهم القرآن الكريم :
﴿.. قد خَسِروُا أنْفَسَهُم وضَلَّ عَنْهُم ما كانُوا يفتروُن ﴾ الأعراف /٥٣.
ويقول القرآن العظيم :
﴿ أوُلئك الذين خَسِروا أنْفَسَهُم وضلَّ عَنْهُم ما كانُوا يَفْتَرون ﴾ هود /٢١.
ويقول القرآن الحكيم :
﴿ قل هل ننَبِئُكُم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضلَّ سَعْيُهُم في الحياة الدنيا وهم يَحْسَبون أنَّهم يُحسنون صنعاً * أوُلئك الذين كفروا بآيات ربِّهم ولقائِه فحَبِطَت أعمالُهُم فلا نُقيمُ لهم يومَ القيامة وزناً ﴾.
الكهف /١٠٣-١٠٥.
********
فإذا كانت الشُبَه التي أثارها اليهود في سالف أمرهم، والفرس في شدَّة تصدِّيهم، قد هيأ الله لها أعلام الأمة في ردودٍ ملأت بطون الكتب، وسوَّدت وجوههم، وبيَّضَت صحائف الإسلام... فما أحوجَ شُبه اليوم إلى : الرد، والبيان، والتوضيح.
إنَّ الإسلام لا يحتاج إلى عاطفة شاعر، أو ادعاءات يدَّعيها البعض ويُنكرها واقعهم، بل هم بحاجة إلى : العلم، وقرع الحجة بالحجة، ليحيى من حيَّ عن بيَّنةٍ، ويهلك من يهلك عن بيِّنة.
لقد كثر ترنمنا بالشعر، و كثرت دعاوانا بكمال الإسلام وصلاحه، والدعوى تحتاج إلى بيِّنةٍ، والعاطفة هوى لا يحدُّها ولا يكبح جماحها إلاَّ العقل، وإلاَّ فيُخشى على أصحابها.