الثاني : أن هؤلاء يقولون : لله كلام هو معنى قديم قائم بذاته، والخلقية يقولون : لا يقوم بذاته كلام. ومن هذا الوجه، فالكلابية خير من الخلقية في الظاهر، لكن جمهور الناس يقولون : إن أصحاب هذا القول عند التحقيق لم يثبتوا له كلاما حقيقة غير المخلوق؛ فإنهم يقولون : إنه معنى واحد هو الأمر والنهي والخبر؛ فإن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان / إنجيلا. ومنهم من قال : هو خمس معان.
وجمهور العقلاء يقولون : إن فساد هذا معلوم بالضرورة بعد التصور التام، والعقلاء الكثيرون لا يتفقون على الكذب وجحد الضرورات من غير تواطؤ واتفاق؛ كما في الأخبار المتواترة. وأما مع التواطؤ فقد يتفقون على الكذب عمدا، وقد يتفقون على جحد الضرورات وإن لم يعلم كل منهم أنه جاحد للضرورة، ولو لم يفهم حقيقة القول الذي يعتقده لحسن ظنه فيمن يقلد قوله، ولمحبته لنصر ذلك القول، كما اتفقت النصارى والرافضة وغيرهم من الطوائف على مقالات يعلم فسادها بالضرورة.
وقال جمهور العقلاء : نحن إذا عربنا التوراة والإنجيل لم يكن معنى ذلك معنى القرآن، بل معاني هذا ليست معاني هذا، ومعاني هذا ليست معاني هذا، وكذلك معنى :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [ الإخلاص : ١ ] ليس هو معنى ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [ المسد : ١ ] ولا معنى آية الكرسي هو معنى آية الدين. وقالوا : إذا جوزتم أن تكون الحقائق المتنوعة شيئًا واحدًا، فجوزوا أن يكون العلم والقدرة والكلام والسمع والبصر صفة واحدة، فاعترف أئمة هذا القول بأن هذا الإلزام ليس لهم عنه جواب عقلي.
ثم منهم من قال : الناس في الصفات إما مثبت لها وقائل بالتعدد، وإما ناف لها، وأما إثباتها واتحادها فخلاف الإجماع. وهذه طريقة القاضي أبي بكر وأبي المعالي وغيرهما. ومنهم من اعترف بأنه ليس له عنه جواب، كأبي الحسن الآمدي وغيره.