والمقصود هنا أن هذه الآية تبين بطلان هذا القول، كما تبين بطلان غيره، فإن قوله :﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [ النحل : ١٠٢ ] يقتضى نزول القرآن من ربه، والقرآن اسم للقرآن العربي لفظه ومعناه، بدليل قوله :﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ﴾ [ النحل : ٩٨ ] وإنما يقرأ القرآن العربي لا يقرأ معانيه المجردة. وأيضًا، فضمير المفعول في قوله :﴿ نَزَّلَهُ ﴾ عائد على مافي قوله :﴿ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ﴾ [ النحل : ١٠١ ] فالذي أنزله الله هو الذي نزله روح القدس، فإذا كان روح القدس نزل بالقرآن العربي لزم أن يكون نزله من الله، فلا يكون شيء منه نزله من عين من الأعيان المخلوقة، ولا نزله من نفسه.
وأيضا، فإنه قال عقيب هذه الآية :﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴾ [ النحل : ١٠٣ ] وهم كانوا يقولون : إنما يعلمه هذا القرآن العربي بشر، لم يكونوا يقولون : إنما يعلمه بشر معانيه فقط، بدليل قوله :﴿ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴾، فإنه ـ تعالى ـ أبطل قول الكفار بأن / لسان الذي ألحدوا إليه، بأن أضافوا إليه هذا القرآن، فجعلوه هو الذي يعلم محمدًا القرآن لسان أعجمي، والقرآن لسان عربي مبين، وعبر عن هذا المعنى بلفظ ﴿ يلحدون ﴾ لما تضمن من معني ميلهم عن الحق وميلهم إلى هذا الذي أضافوا إليه هذا القرآن، فإن لفظ [ الإلحاد ] يقتضى ميلاً عن شيء إلى شيء بباطل، فلو كان الكفار قالوا : يعلمه معانيه فقط لم يكن هذا ردًا لقولهم؛ فإن الإنسان قد يتعلم من الأعجمي شيئًا بلغة ذلك الأعجمي، ويعبر عنه هو بعبارته.