ثم من هؤلاء من قال : إنه معنى واحد؛ لأن الحروف والأصوات متعاقبة، يمتنع أن تكون قديمة. ومنهم من قال : بل الحروف والأصوات قديمة الأعيان، وأنها مترتبة في ذاتها متقاربة في وجودها، لم تزل ولا / تزال قائمة بذاته، والنداء الذي سمعه موسى قديم أزلي، لم يزل ولا يزال. ومنهم من قال : بل الحروف قديمة الأعيان، بخلاف الأصوات، وكل هؤلاء يقولون : إن التكليم والنداء ليس إلا مجرد خلق إدراك المخلوق، بحيث يسمع مالم يزل ولايزال لا أنه يكون هناك كلام يتكلم الله به بمشيئته وقدرته، ولا تكليم، بل تكليمه عندهم جعل العبد سامعًا لما كان موجودًا قبل سمعه، بمنزلة جعل الأعمى بصيرًا لما كان موجودًا قبل رؤيته من غير إحداث شيء منفصل عن الأعمى، فعندهم لما جاء موسى لميقات ربه سمع النداء القديم لا أنه حينئذ نودي.
ولهذا يقولون : إنه يسمع كلامه لخلقه يدل عن قول الناس إنه يكلم خلقه، وهؤلاء يردون على الخلقية الذين يقولون : القرآن مخلوق، ويقولون عن أنفسهم : إنهم أهل السنة الموافقون للسلف، الذين قالوا : إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وليس قولهم قول السلف، لكن قولهم أقرب إلى قول السلف من وجه، وقول الخلقية أقرب إلى قول السلف من وجه.
أما كون قولهم أقرب فلأنهم يثبتون لله كلاما قائما بنفس الله، وهذا قول السلف، بخلاف الخلقية الذين يقولون : ليس كلامه إلا ما خلقه في غيره؛ فإن قول هؤلاء مخالف لقول السلف. وأما كون قول / الخلقية أقرب فلأنهم يقولون : إن الله يتكلم بمشيئته وقدرته وهذا قول السلف، وهؤلاء عندهم لا يقدر الله على شيء من كلامه، وليس كلامه بمشيئته واختياره، بل كلامه عندهم كحياته، وهم يقولون : الكلام عندنا صفة ذات لا صفة فعل. والخلقية يقولون : صفة فعل لا صفة ذات، ومذهب السلف أنه صفة ذات وصفة فعل معًا، فكل منهما موافق للسلف من وجه دون وجه.