فإن قيل : فقد قال تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [ الحاقة : ٤٠، التكوير : ١٩ ] وهذا يدل على أن الرسول أحدث الكلام العربي. قيل : هذا باطل؛ وذلك لأن الله ذكر هذا في القرآن في موضعين، والرسول في أحد الموضعين محمد، والرسول في الآية الأخرى جبريل. قال تعالى ـ في سورة الحاقة ـ :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤٠ ـ ٤٣ ] فالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقال في سورة التكوير :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [ التكوير : ١٩ـ ٢١ ] فالرسول هنا جبريل، فلو كان أضافه إلى الرسول لكونه أحدث حروفه أو أحدث منه شيئًا لكان الخبران متناقضين، فإنه إن كان أحدهما هو الذي أحدثها امتنع أن يكون الآخر هو الذي أحدثها.
وأيضا، فإنه قال :﴿ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ ولم يقل : لقول ملك ولا نبي، ولفظ [ الرسول ] يستلزم مرسلا له، فدل ذلك على أن / الرسول مبلغ له عن مرسله؛ لا أنه أنشأ منه شيئًا من جهة نفسه، وهذا يدل على أنه أضافه إلى الرسول؛ لأنه بلغه وأداه، لا لأنه أنشأ منه شيئًا وابتداه.