وأيضًا، فإن الله قد كفر من جعله قول البشر بقوله :﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [ المدثر : ١٨ـ ٢٥ ] ومحمد بشر، فمن قال : إنه قول محمد فقد كفر، ولا فرق بين أن يقول : هو قول بشر أو جني أو ملك، فمن جعله قولاً لأحد من هؤلاء فقد كفر، ومع هذا فقد قال تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ﴾ فجعله قول الرسول البشري مع تكفيره من يقول : إنه قول البشر، فعلم أن المراد بذلك أن الرسول بلغه عن مرسله، لا أنه قول له من تلقاء نفسه، وهو كلام الله الذي أرسله، كما قال تعالى :﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ [ التوبة : ٦ ]، فالذي بلغه الرسول هو كلام الله لا كلام الرسول.
ولهذا كان النبي ﷺ يعرض نفسه على الناس بالمواسم ويقول :( ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي، فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ) رواه أبو داود وغيره، والكلام كلام من /قاله مبتدئا لا كلام من قاله مبلغًا مؤديًا، وموسى سمع كلام الله من الله بلا واسطة، والمؤمنون يسمعه بعضهم من بعض، فسماع موسى سماع مطلق بلا واسطة، و سماع الناس سماع مقيد بواسطة، كما قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [ الشورى : ٥١ ].


الصفحة التالية
Icon