وأما الرب ـ تعالى ـ إذا قيل : لم يزل متكلمًا إذا شاء، أو لم يزل فاعلا لما يشاء، لم يكن دوام كونه متكلما بمشيئته وقدرته، ودوام كونه فاعلا بمشيئته وقدرته ممتنعًا، بل هذا هو الواجب؛ لأن الكلام صفة كمال لا نقص فيه، فالرب أحق أن يتصف بالكلام من كل موصوف بالكلام؛إذ كل كمال لا نقص فيه ثبت للمخلوق فالخالق أولى به؛ لأن القديم الواجب الخالق أحق بالكمال المطلق من المحدث الممكن المخلوق؛ ولأن كل كمال ثبت للمخلوق فإنما هو من الخالق، وما جاز اتصافه به من الكمال وجب له؛ فإنه لو لم يجب له لكان إما ممتنعًا وهو محال بخلاف الفرض، وإما ممكنًا، فيتوقف ثبوته له على غيره، والرب /لا يحتاج في ثبوت كماله إلى غيره؛ فإن معطى الكمال أحق بالكمال، فيلزم أن يكون غيره أكمل منه لو كان غيره معطيًا له الكمال، وهذا ممتنع؛ بل هو بنفسه المقدسة مستحق لصفات الكمال، فلا يتوقف ثبوت كونه متكلما على غيره، فيجب ثبوت كونه متكلما، وإن ذلك لم يزل ولا يزال، والمتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن يكون الكلام لازمًا له بدون قدرته ومشيئته، والذي لم يزل متكلما إذا شاء أكمل ممن صار الكلام يمكنه بعد أن لم يكن الكلام ممكنًا له.
وحينئذ، فكلامه قديم مع أنه يتكلم بمشيئته وقدرته، وإن قيل : إنه ينادى ويتكلم بصوت ولا يلزم من ذلك قدم صوت معين، وإذا كان قد تكلم بالتوراة والقرآن والإنجيل بمشيئته وقدرته لم يمتنع أن يتكلم بالباء قبل السين، وإن كان نوع الباء والسين قديمًا لم يستلزم أن تكون الباء المعينة والسين المعينة قديمة؛ لما علم من الفرق بين النوع والعين، وهذا الفرق ثابت في الإرادة والكلام، والسمع والبصر وغير ذلك من الصفات، وبه تنحل الإشكالات الواردة على وحدة هذه الصفات وتعددها، وقدمها وحدوثها، وكذلك تزول به الإشكالات الواردة في أفعال الرب، وقدمها وحدوثها، وحدوث العالم.